شراكة بين الجزائر وبريطانيا لإطلاق مرحلة متقدمة في التعليم العالي
شهدت جامعة الجزائر 2 “أبو القاسم سعد الله” حدثًا أكاديميًا بارزًا تمثل في إطلاق نتائج تحليل مشهد التعليم العابر للحدود في الجزائر، وذلك خلال فعالية مشتركة نظمها المجلس الثقافي البريطاني بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وجاء هذا اللقاء ليجسد مرحلة جديدة في مسار التعاون بين الجزائر والمملكة المتحدة، ويؤسس لشراكات مستدامة بين الجامعات والمؤسسات التعليمية في البلدين، بما يسهم في تعزيز الابتكار الأكاديمي والانفتاح الدولي.
وقد شكل هذا الملتقى محطة مفصلية في مسار التعاون بين الجانبين، حيث جمع ممثلين رفيعي المستوى من وزارة التعليم العالي، ومسؤولين من السفارة البريطانية في الجزائر، إلى جانب أكثر من ثلاثين جامعة جزائرية وعدد مهم من الجامعات البريطانية التي شاركت بوفود تضم عمداء ونواب رؤساء جامعات، من بينها جامعة روبرت غوردون، وجامعة كانتربري كرايست تشيرش، وجامعة إدنبره نابييه. وتركز هذا الحضور الواسع على مناقشة آفاق التعاون، واستكشاف فرص التعليم العابر للحدود، وتحديد الأولويات المشتركة لتطوير شراكات أكاديمية طويلة المدى.
ناقش المشاركون نتائج تحليل مشهد التعليم العابر للحدود الذي أُنجز بالشراكة بين خبراء جزائريين وبريطانيين، وهو عمل شامل يهدف إلى تقديم رؤية معمقة لخصائص منظومة التعليم العالي في الجزائر، وتحديد الفرص والتحديات التي يمكن أن توجه مستقبل الشراكات الدولية. ويعد هذا التحليل ثمرة جهود انطلقت منذ 2023، حيث قاد المجلس الثقافي البريطاني سلسلة مبادرات لتعزيز التعاون الأكاديمي، من بينها برنامج “Researcher Connect” في عام 2024 الذي جمع نحو ستين عميدًا ورئيس جامعة وخبيرًا أكاديميًا للاستفادة من التجربة البريطانية في البحث والتحليل.
وأظهرت نتائج التحليل اهتمامًا متزايدًا من الجانبين بالعمل المشترك في قطاعات استراتيجية تشمل الابتكار الرقمي، الذكاء الاصطناعي، الهندسة، الصحة العامة، التعليم، اللغويات، الأعمال، وعلوم الرياضة. وقدمت جامعة روبرت غوردون دراسة حالة حول شراكتها مع شركة سوناطراك الجزائرية، سلطت من خلالها الضوء على أهمية التعاون بين الجامعات والقطاع الصناعي في دعم برامج الدراسات العليا وتطوير المهارات. كما استعرضت جامعة إدنبره نابييه بالتعاون مع جامعة بومرداس آخر تطورات مشاريعهما المشتركة، التي ترسم معالم شراكات مستقبلية واعدة.
وبداية الفعالية، ألقى السيد عبد الرحمن يوسفات، مدير التعاون والتبادل الجامعي بوزارة التعليم العالي، كلمة شدد فيها على أهمية هذه المبادرة في دعم العلوم والبحث والابتكار، مشيرًا إلى أن التعليم العابر للحدود يمثل فرصة استراتيجية للجامعات الجزائرية لتعزيز حضورها الدولي وتطوير برامج جديدة تلائم متطلبات القرن الحادي والعشرين. كما أكدت سالي جيل، نائب رئيس البعثة في السفارة البريطانية، أن المملكة المتحدة ترى في التعليم العابر للحدود جسرًا لبناء الثقة وتعزيز تبادل المعرفة، معتبرة أن التعاون بين البلدين يعزز قدرتهما على إعداد أجيال قادرة على مواجهة التحولات العلمية العالمية.
من جهته، أكد حمزة كودري، مدير المجلس الثقافي البريطاني في الجزائر، أن هذا العمل المشترك يفتح آفاقًا واسعة للطلاب والأكاديميين والمؤسسات، مضيفًا أن المجلس ملتزم بمواصلة دعم الجامعات الجزائرية في تحديث برامجها وتوسيع شراكاتها، بما يعزز مكانة الجزائر على خارطة التعليم العالي الدولي.
كما احتضن الحدث جلسات مائدة مستديرة أتاحت للجامعات البريطانية والجزائرية عقد لقاءات مباشرة “واحد لواحد” ضمن ما يسمى بـ TNE Uni-to-Uni Talks، وهي آلية تهدف إلى تأسيس شراكات عملية، واستكشاف مشاريع مشتركة، والاستفادة من تقرير تحليل المشهد لتوجيه التعاون المستقبلي نحو مجالات أكثر واقعية واستدامة. ومن المتوقع أن تدعم المنح الاستكشافية TNE Exploratory Grants تطوير هذه الشراكات وتحويلها إلى برامج فعلية في السنوات المقبلة.
ويأتي هذا النشاط في إطار إستراتيجية المجلس الثقافي البريطاني للتعليم العابر للحدود للأعوام 2023–2025، والتي تركز على تعزيز قدرات التعليم العالي في الدول الشريكة، وتوسيع فرص الطلاب في الحصول على شهادات معترف بها دوليًا دون الحاجة للدراسة خارج بلدهم. ويعد التعليم العابر للحدود أحد النماذج التعليمية الأكثر انتشارًا عالميًا، حيث يسمح بتقديم برامج بريطانية داخل الجزائر عبر التعليم عن بعد، أو الشراكات التعاونية، أو الفروع الجامعية المشتركة.
ويؤكد هذا اللقاء أن الجزائر والمملكة المتحدة تتجهان نحو مرحلة جديدة من التعاون الأكاديمي تقوم على أسس عملية واضحة، وتحظى بدعم مؤسساتي رفيع المستوى. كما يفتح الباب أمام مشاريع مستقبلية قد تشمل برامج مزدوجة، تطوير محتويات تعليمية مشتركة، دعم الابتكار البحثي، وتعزيز الانفتاح العلمي، بما يتماشى مع التوجهات الوطنية لتحسين جودة التعليم وربط الجامعة بالتحولات الاقتصادية والتكنولوجية.
ومن المتوقع أن تتواصل هذه الجهود خلال العام المقبل عبر مبادرات جديدة تهدف إلى تعزيز الحضور البريطاني في الجامعات الجزائرية، وتمكين الطلبة الجزائريين من الحصول على تكوين عالي الجودة يفتح أمامهم آفاقًا محلية ودولية واسعة، في وقت تسعى فيه الجزائر إلى تحديث منظومتها الجامعية والاستفادة من التجارب الدولية الرائدة.
وبذلك، يشكل هذا الحدث نقطة انطلاق فعلية لمرحلة جديدة من الشراكة الممتدة بين الجزائر والمملكة المتحدة، قائمة على الثقة المتبادلة والتخطيط العلمي والالتزام المشترك بتطوير مستقبل التعليم العالي، بما يخدم رؤى البلدين في بناء جيل جديد من الخريجين القادرين على المساهمة في الاقتصاد المعرفي والتحول التكنولوجي العالمي.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
صناعة السيارات: الحكومة تشدد القواعد
أكد وزير الصناعة، يحيى بشير، اليوم الخميس، أن الجزائر دخلت مرحلة حاسمة في مسار إعادة بناء …







