على هامش اليوم الوطني للإعلام: كيف يؤطر الاتصال استتباب السلام والتعايش؟
نحن نتفيّأ ظلال ذكرى تأسيس الإذاعة الوطنية الصحراوية قبل 49 سنة، في ظل ظروف دولية وجهوية غير مسبوقة، ليس فقط بسبب التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية جراء الحروب والأزمات المستعرة هنا وهناك، وحرب الأجندات الجيوستراتيجية، بل لأن الإنسان اختل توازنه بفعل الموجة الجديدة لعالم التواصل والحرب السيبرانية التي تهدد ليس فقط سيادة الدول بل أيضًا هويات شعوبها.
هذه مناسبة نستذكر فيها دور الرسالة والاتصال في استتباب السلام، وردم الهوة، وخلق المناعة لمواجهة تلك الحرب التي تستهدف الاستيلاء ليس فقط على الأرض بل أيضًا على عقول وأذهان البشر، وتغيير القناعات وتبديل التوجهات وخلق طابور خامس وسادس.
ذلك أن الحرب، وكذلك السلام، يُزرعان في العقول والأذهان.
هنا يكمن دور الاتصال ورجالاته، ودورهم الذي يتجاوز الحدود الجغرافية ويتضاعف في الأزمات والحروب، حيث تقع على كاهل الصفوة مسؤولية التنوير والتبصير بعواقب الأمور، وتسهيل الحلول للقضايا المعقدة، بل وضع المخارج والبدائل واستشراف المستقبل.
هنا يطرح السؤال ونحن على مشارف اليوم الوطني للإعلام في الجمهورية الصحراوية المصادف 28 ديسمبر من سنة 1975:كيف يساهم الاتصال في التعايش والوئام بين الفرقاء في المنطقة المغاربية في ظل عودة التوتر إثر العدوان على الشعب الصحراوي؟ كيف يمكن مواجهة دعاية تزرع القنوط واليأس بدلًا من الأمل وقيم السلام والمحبة بين الشعوب؟ كيف نسلّح الرأي العام بالحقائق لا بالدعاية والمغالطة والأنماط الجاهزة والأفكار المضللة، خاصة الرأي العام المغاربي؟
إذا كان ذلك يتطلب قرارًا من جانب من بيده القرار السياسي، فإن القائم بالاتصال يلعب الدور الفاعل، ليس كناقل متفرج، بل كمبشر قادر على التبصير والتجسيد، فتح الحوار بين الأطراف، كشف الحقيقة وجعلها في متناول الرأي العام في ظل وضوح مركزها القانوني وأبعادها السياسية والدبلوماسية والثقافية والاجتماعية.
هنا تبرز مسؤولية رجال الإعلام في ترجمة الفعل إلى حقائق تنبض بالحيوية، وتفيض بالمشاعر الإنسانية.
رجل الإعلام ليس حامل رسالة فقط، بل صاحب قضية يمتلك القدرة على التنوير، في مواجهة الحرب النفسية التي خلفتها سنوات طويلة من السجال السياسي والحرب العسكرية وتداعياتها النفسية، والتي تمتد حتى اليوم في ظل صراع لا يزال متواصلًا على الأرض (حرب طاحنة، جدران، ألغام، حصار، قمع).
هنا نتوقف أمام جملة من التحديات والمصاعب:
كيف يمكن خلق بيئة للسلام والتعايش عبر ميثاق المصالحة مع الشعوب والبلدان المجاورة، وليس الاستقواء باللوبيات والمصالح الغريبة على المنطقة وأهلها؟ كيف يمكن تجاوز عقد الحرب وتخطي حواجزها؟ كيف يمكن أن نكسر أجواء الخوف ونشيع بدلها ثقافة الإيمان برسالة السلام والمحبة والتعايش بين الشعوب، وأن نفضح جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان؟ كيف نشيع ثقافة القطيعة مع تلك الممارسات، ونزرع قيمًا جديدة وبديلة أساسها التسامح وحتمية التعايش بين شعوب المنطقة التي تجمعها عوامل الجغرافيا والتاريخ والقيم الروحية الإسلامية، فتتعايش فيما بينها بدل أن تتصارع؟ ولنا في مواقف بعض القوى الحقوقية في المغرب خير مثال.
تلكم هي تحديات رجال الإعلام، ورهانات رجال الاتصال من ذوي الضمائر الحية الذين نذروا أنفسهم لخدمة قضايا السلام زمن الحرب والتوتر. إنها ملحمة بناء المستقبل، معركة مواجهة التخلف وثقافة الفتنة ومخاطرها الممتدة عبر دعايات وسموم لا تزال تعشعش في رؤوس الفتنة وخدام أجندة التوسع والاستعمار في ثوبه الجديد.
كيف نقدم الحقيقة بموضوعية وأمانة ومسؤولية في زمن لبست فيه الحقيقة ثياب الكذب جراء توظيف أساليب تقوم على التحيز والمغالطة والانتقائية؟ فهل نستطيع أن نساهم في إشاعة هذه القيم والمرافعة عنها في خضم حرب الصراع المحتدم بين قوى الخير والشر؟
وفي زخم استحضار هذه التحولات والتغيرات التي أفرزتها الموجة الجديدة، يصبح رجل الاتصال ورسالته ليس أداة، بل فاعلًا في معركة تشكل فيها القضية الصحراوية، ذات الأهمية السياسية والاستراتيجية، مفتاح التكامل والانسجام بين ربوعه المغاربية. لكنها لا تزال يلفها عدم الوضوح في أذهان الرأي العام، خاصة الأشقاء في المغرب الأقصى.
الحقيقة أن الرسالة لم تكن باليسيرة، ولن تكون بالسهلة في غياب إرادة سياسية تروم طي الملف من جذوره الشائكة عبر الاحتكام للمشروعية الدولية، وفي ظل كذلك تقاعس النخبة المثقفة والصفوة الفاعلة، إن لم نقل غيابها عن أداء مهمة سياسية وأخلاقية ومهنية بمعدات وأساليب إعلامية من خلال عمل ملموس ومنطقي، يقوم على الإيمان والإدراك والتشبع بأن الاتصال دوره مسهل في بلورة الحلول وتنوير العقول وبناء جسور الثقة والمحبة.
أظن أن ما تطرحه جبهة البوليساريو من التفتح على أكثر من خيار: الاستقلال، الانضمام للمغرب، أو غير ذلك من الصيغ أمام الناخبين الصحراويين عبر استفتاء تقرير المصير، هو مساهمة في ترقية البحث عن حل يحفظ الوجه ويخرج المنطقة من دوامة الحرب، ويمكن كذلك من حل قضية من صميم القضايا المصيرية في المغرب العربي، كونها عامل تكامل وانسجام بين أطرافه المختلفة، وهي اليوم تسمم العلاقات بين دوله وتعيق التنمية في المنطقة المغاربية.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الاتحاد الإفريقي: رافعة دعم القضية الصحراوية في المحافل الدولية
منذ تأسيسها في 25 ماي 1963، تبنّت منظمة الوحدة الإفريقية مناصرة حركات التحرير في مواجهة ال…




