‫الرئيسية‬ الأولى ما سرّ الهجوم الإخواني على الجزائر؟
الأولى - رأي - مقالات - ‫‫‫‏‫23 ساعة مضت‬

ما سرّ الهجوم الإخواني على الجزائر؟

ما سرّ الهجوم الإخواني على الجزائر؟
ما علاقة الهجوم المفاجئ لبعض التيارات المحسوبة على الإخوان المسلمين ضد الجزائر، بموقف “إسرائيل” الرافض لأي وجود عسكري تركي في غزة؟ سؤال يتكرر اليوم بقوة، خاصة بعد التصعيد غير المبرر تجاه الجزائر عقب تصويتها لصالح مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن.

عندما قال الرئيس الراحل هواري بومدين عبارته الشهيرة “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، لم يكن يشير إلى حركة بعينها، بل كان يؤكد دعم الجزائر لجوهر القضية الوطنية الفلسطينية، قبل ولادة كيانات سياسية لاحقة مثل حركة حماس التي لم تكن موجودة حينها. هذا المبدأ أعاد التأكيد عليه الرئيس عبد المجيد تبون أكثر من مرة، باعتباره التزامًا تاريخيًا تجاه الشعب الفلسطيني، وليس تفضيلاً لفصيل على آخر.

ولمزيد من التوضيح، قال وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف إن الجزائر تعترف بالسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير باعتبارهما الممثلين الشرعيين للشعب الفلسطيني، وتتفاعل رسميًا مع مؤسساتهما، وفق قرارات الجامعة العربية والأمم المتحدة. الجزائر تستقبل قيادات من مختلف الفصائل التاريخية كفتح والجبهة الشعبية والديمقراطية ضمن إطار منظمة التحرير، بينما تبقى العلاقة مع حركة حماس محكومة بطابع سياسي معقد كونها لا تعترف رسميًا بمنظمة التحرير ولا بالدولة الفلسطينية وفق تصريحات قياداتها المعروفة.

ومع توسّع نفوذ التيارات الإخوانية في المنطقة، حاول البعض توظيف هذا النفوذ لإقحام الجزائر في ترتيبات غير واضحة، من ضمنها فتح مكتب لحماس دون تحديد وضعه الرسمي أو وظائفه، إلى جانب اتصالات تمت عبر قنوات غير تقليدية. هذه الخطوة لا تنسجم تمامًا مع المبادئ الجزائرية الثابتة القائمة على التعامل مع المؤسسات الرسمية الفلسطينية.

أما النقطة الأكثر حساسية فتتعلق بقمة شرم الشيخ، حيث ظهرت تقارير عديدة عن قبول حركة حماس بمبادئ الخطة الأميركية التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي ناقشت مستقبل قطاع غزة بحضور أطراف إقليمية ودولية، من بينها مصر والسعودية وتركيا والاتحاد الأوروبي. وقد بثت وسائل إعلام دولية تلك اللقاءات والصيغ الأولية للاتفاق. وتشير المصادر ذاتها إلى أن حماس أبدت استعدادًا — في مرحلة ثانية — لبحث مسألة السلاح والسلطة في غزة، مع ضمانات أميركية بحماية قياداتها في الخارج وتسهيل خروج من يريد منهم دون ملاحقات.

هذا الاتفاق — الذي تشكلت ملامحه في شرم الشيخ — هو نفسه الذي عُرض لاحقًا على مجلس الأمن، ووافقت عليه الدول العربية والسلطة الفلسطينية رسميًا. الجزائر بدورها صوتت لصالح القرار لأنه يتماشى مع الإجماع العربي وموقف الممثل الرسمي للشعب الفلسطيني، وليس استنادًا لأي تفاهمات خارج هذا الإطار.

المثير للانتباه أن الهجوم على الجزائر انطلق مباشرة بعد رفض “إسرائيل” لأي وجود عسكري تركي في غزة، وهو ما وضع تركيا في مواجهة مباشرة مع هذا الرفض، لتتحرك بعض التيارات الإخوانية سريعًا وتحوّل مزاجها نحو الجزائر، وكأن المطلوب افتعال خصومة سياسية لا علاقة لها بجوهر القرار الأممي. ومن الواضح أن الصراع التركي–”الإسرائيلي” حول الترتيبات الأمنية في غزة كان له أثر مباشر في تحريك حملة سياسية ضد الجزائر، رغم أن موقف الجزائر منسجم تمامًا مع الإجماع العربي والسلطة الفلسطينية.

الأغرب أن بعض الأصوات في التيار الإخواني سارعت لاتهام الجزائر بالتطبيع، متناسية التطبيع الرسمي في دول عديدة أبرزها المغرب وتركيا والإمارات والبحرين والأردن ومصر وعُمان وقطر، إضافة إلى ما ظهر من تقارير عن ترتيبات سعودية–”إسرائيلية” محتملة، وانضمام دول آسيوية مثل كازاخستان إلى مسار التطبيع. لكن هذه الأصوات — لأي سبب كان — وجهت سهامها نحو الجزائر وحدها، رغم أن الجزائر هي الدولة العربية الأكثر تمسكًا برفض التطبيع على الإطلاق.

الجزائر دولة ذات قرار سيادي، ليست محسوبة على أي تيار إيديولوجي ولا تمثلها أي حركة سياسية خارج مؤسساتها الرسمية. وهي تظل وفية لهويتها الوطنية ومبادئها التاريخية في دعم فلسطين ضمن إطارها الشرعي المعترف به. أما الحملات الإعلامية والسياسية التي تستهدفها اليوم، فهي مرتبطة بتفاعلات إقليمية معقدة لا علاقة لها بموقف الجزائر الذي بقي ثابتًا وواضحًا: دعم فلسطين من خلال مؤسساتها الشرعية، والدفاع عن القرار العربي المشترك، والتمسك بسيادة الجزائر وعدم السماح لأي جهة خارجية، أياً كانت، أن تتحدث باسمها أو توجه سياساتها.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

ترامب يمهل كييف أيامًا لحسم موقفها من خطته للسلام

تداولت عدة وسائل إعلام دولية وتقارير سياسية معلومات مفادها أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترام…