‫الرئيسية‬ الأولى أبواب الضياع.. أدبٌ يقاوم النسيان ويعرّي الوجع
الأولى - فنون وثقافة - ‫‫‫‏‫أسبوع واحد مضت‬

أبواب الضياع.. أدبٌ يقاوم النسيان ويعرّي الوجع

أبواب الضياع.. أدبٌ يقاوم النسيان ويعرّي الوجع
يستحضر عبد الوهاب برينس في روايته أبواب الضياع الذاكرة الجزائرية الجريحة بكل ما تحمله من ألمٍ وأسئلةٍ معلّقة، ليحوّل الحكاية إلى مرآة للضمير الجمعي وصرخة في وجه النسيان. هذا الكاتب، ابن بلدية بني حميدان بولاية قسنطينة، ومدير مدرسة متقاعد، انتقل من الطباشير إلى القلم، ومن تعليم الأجيال إلى مساءلة التاريخ والذاكرة، ليصوغ من تجربته التربوية والإنسانية نصوصًا تنبض بصدقٍ واقعيٍّ نادر في الأدب الجزائري المعاصر.

تغوص روايته أبواب الضياع في واحدة من أكثر فترات الجزائر حدّةً، فترة العشرية السوداء، حيث العنف يبتلع البراءة، والخوف يتحول إلى منطق بقاء. تحكي الرواية قصة أستاذ فيزياء يجد نفسه، دون إرادة منه، متورطًا في صناعة قنبلة تقليدية تحت ضغط التهديد، معتقدًا أنها ستكون وسيلته الأخيرة للنجاة. غير أن القدر يقوده إلى مأساة كبرى، حين يدرك أن القنبلة نفسها كانت السبب في مقتل حبيبته سعاد ووالدها. عند هذه اللحظة، ينفجر النص من الداخل، ويتحوّل السرد إلى محاكمةٍ أخلاقيةٍ داخلية يعيشها البطل الذي صار ضحيةً وجانيًا في الوقت نفسه.

يهرب الأستاذ إلى العاصمة، لاجئًا إلى الخمر والضياع، بينما يظنه الجميع غادر قريته حزنًا لا ندمًا. وهنا تتجلّى قوة السرد عند عبد الوهاب برينس، الذي لا يكتفي بوصف الأحداث، بل يغوص في أعماق النفس البشرية وهي تواجه انهيار قيمها أمام رعب الموت والعنف. بأسلوبٍ نفسيٍّ عميقٍ ولغةٍ متماسكةٍ تبتعد عن الخطابة، يرسم الكاتب لوحة عن الإنسان حين تتكسر بداخله القيم تحت ضغط الخوف، وحين يتحول الضمير إلى ساحة صراع بين النجاة والندم.

قبل دخوله عالم الرواية، كان عبد الوهاب برينس شاعرًا يكتب عن السياسة والمجتمع، ما جعل أعماله الروائية مشبعة بنَفَسٍ شعريٍّ واضح، يمزج بين الإحساس والوعي، وبين الجملة الأدبية المكثفة والفكر المتأمل. في نصوصه، تتحول الكلمة إلى اعترافٍ صادقٍ أكثر من كونها حكاية، ويصبح السرد وسيلة تطهر روحيٍّ يوازن بين الألم والفهم.

من أبرز أعماله أبواب الضياع، المستوحاة من أحداث واقعية، والحسناء والجاسوس التي شارك بها في مسابقة رئيس الجمهورية للغة العربية، في انتظار نتائجها المرتقبة في 18 ديسمبر، إلى جانب عمله الجديد في حضرة الشيطان، وهو رواية قيد الإعداد تتناول الصراع الداخلي للإنسان مع شروره الخفية، في معالجة فلسفية رمزية للخير والشر.

يكتب عبد الوهاب برينس لا ليُسجّل الألم، بل ليفهمه، وليرفعه إلى مرتبة الشهادة الفنية. في نظره، الأدب ليس بحثًا عن البطولة بل عن الحقيقة، والكاتب في زمن الأزمات هو الضمير الأخير للأوطان، الحارس على ذاكرتها والمترجم لوجعها الإنساني. بهذا المعنى، تتحول أبواب الضياع إلى أكثر من رواية؛ إنها عمل يواجه العنف بالتأمل، والخراب بالكتابة، والضياع بالبحث عن معنى النجاة في وطنٍ كتب تاريخه بالدم والحبر معًا.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

العقرب الملائكي.. رواية تكشف الوجه الخفي لمعاناة المرأة بين القيد والنهضة

تطرح الكاتبة غنّام جمعة في روايتها الجديدة “العقرب الملائكي” عملاً سردياً لافت…