الإخوان المسلمون… السرطان الذي يهدد الجزائر
رفعت الجزائر تحفظاتها فيما يخص اتفاقية سيداو من أجل تمكين المرأة الجزائرية من كامل حقوقها، بعد التغييرات التي أحدثتها في القوانين الوطنية، ومنها حرية السفر والتنقل والسكن للمرأة، كما يسمح بذلك القانون الجزائري، إضافة إلى حقها في منح أطفالها جنسيتها الجزائرية. وقد تجلّى ذلك منذ سنوات في الفريق الوطني لكرة القدم، حيث أن عددًا من اللاعبين اكتسبوا الجنسية الجزائرية عبر أمهاتهم. بهذا أصبح التشريع الوطني متماشيًا مع الاتفاقية، ولم تبقَ أي حجة لتعطيل رفع التحفظات على المادة 15 الفقرة 4 من اتفاقية سيداو.
غير أن الأحزاب الإسلاموية في الجزائر، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، عبر لسان الطبيب عبد الرزاق مقري ـ الذي لم يعد رئيسًا لحركة “حمس” منذ سنوات ـ لم يعجبها موقف الجزائر من رفع التحفظات، متحججًا بأن هذه “قوانين غربية” ليست في صالح انسجام الأسرة الجزائرية. وهذا افتراء واضح، لأن البلدان الإسلامية نفسها تخلصت بفضل ما يسميه “قوانين غربية” من أسواق العبيد، مثل السعودية وبعض دول الخليج التي بقيت فيها تلك الأسواق إلى غاية سبعينيات القرن الماضي. أما آخر بلد تخلّص من هذا العار الإنساني فكانت موريتانيا، التي مارست تجارة العبيد رسميًا وقانونيًا حتى أجبرتها القوانين الدولية على منعها. إذًا، ليس كل ما يأتي من الغرب سيئًا يجب رفضه، كما يحاول أن يُقنعنا عبد الرزاق مقري.
هذا الموقف “الإخواني” يعكس رؤية المرأة كجارية عند المتأسلمين بصفة عامة. فمنذ أسابيع فقط، ظهر إمام جزائري على مواقع التواصل الاجتماعي، ملتحٍ وحالق الشارب، ليؤكد أن للمرأة الجزائرية الحق في قيادة السيارة! “يا سلام على الهدية”، لكن إذا سافرت مسافة طويلة بسيارتها، فعليها أن تكون برفقة محرم. أي أن المرأة، حفيدة الكاهنة ولالة نسومر وحسيبة بن بوعلي، لا تزال في نظر هؤلاء كائنًا ناقصًا وغير جدير بالثقة، رغم أنها قد تكون الطبيبة التي تعالج أولاد هذا الإمام نفسه. والأغرب أن “حكاية المحرم” لم تعد مطبقة حتى في السعودية، البلد الأصلي للوهابية والسلفية، خصوصًا في مراسيم الحج، بعدما تخلّصت منها ومنحت المرأة حقوقها.
أما عبد الرزاق مقري وحركة الإخوان المسلمين، فهم يلجؤون إلى الغرب ومؤسساته ويصرخون بتطبيق قوانينه ومواثيقه الأممية عندما يتعرضون ـ حسب زعمهم ـ للمضايقة السياسية، ويطالبون بحماية الديمقراطية. لكن عندما لا تكون القوانين في مصلحتهم، فإنهم يهاجمونها ويصفونها بالـ”غربية”. كما يشتمون العلمانية في الجزائر، بينما يدعمونها في تركيا بصمت رهيب وبدون حرج!
الإخوان المسلمون يُعدّون أخطر حركة في الإسلام السياسي، وقد تُصنَّف قريبًا من طرف أمريكا والغرب كتنظيم إرهابي. فهم ـ وفقًا لعقيدتهم الوهابية والسلفية ـ يحرمون أن تكون المرأة قاضية، في حين أن الجزائر اليوم تفخر بوجود قاضيات في سلك العدالة. أما شيخهم ابن تيمية، فذهب إلى حد تشبيه المرأة بالحيوان لأنهما “مركوبان”. والأدهى أن أحد ممثلي المتأسلمين في لندن، ظهر منذ أسابيع يدعو الجزائريين علنًا لعدم إرسال بناتهم للانضمام إلى الجيش الوطني الشعبي، الذي يضم اليوم جنرالات نساء من حرائر الجزائر.
وإذا كان هذا التطور قد تحقق بفضل ما يسميه مقري “القوانين الغربية”، فمرحبا بهذه القوانين التي أنهت أسواق العبيد وأسواق النخاسة التي كان يُباع فيها النساء كجواري. فالقوانين التي تكرّم المرأة وتساويها بالرجل أفضل ألف مرة من فتاوى عصور الظلام.
حركة “حمس” الإخوانية تتحدث عن “تفكيك الأسرة”، ولا أفهم صراحة كيف يمكن أن تكون حرية السكن والتنقل، أو حق الأم في منح جنسيتها لأبنائها، خطرًا على الأسرة؟! هل يُعقل أن يُعتبر حارس المرمى الوطني رايس وهاب مبولحي، الذي اكتسب الجنسية الجزائرية بفضل والدته، تهديدًا للأسرة الجزائرية؟ بالعكس، لقد منحته أسرته وبلده هوية يفتخر بها إلى آخر يوم في حياته. أحيانًا أتساءل: هل يملك الإسلاميون ذرة من شعور إنساني أصلًا؟ تصرفاتهم تقول: لا.
ولم نسمع عبد الرزاق مقري يندد بقوانين “إمارة أفغانستان” التي قررت أن وجه المرأة وصوتها عورة، ومنعتها من الخروج من البيت، وطردتها من المؤسسات والجامعات والمعاهد. بل العكس، هو من رحب بحكومة طالبان عندما استلمت السلطة! سكوته عن ممارسات طالبان ضد المرأة يعني شيئًا واحدًا: هذا هو المشروع الذي يتمناه ويناضل من أجله في الجزائر.
ألا يعلم الطبيب عبد الرزاق مقري أن الدعارة، بما فيها الدعارة المثلية، مقننة في تركيا العلمانية وتحقق مداخيل رسمية للخزينة تقدر بحوالي 3 إلى 4 مليارات دولار سنويًا؟ أين ذهب “حرصه على الأخلاق” هناك؟
حمى الله الجزائر من حركة الإخوان المسلمين، السرطان الحقيقي الذي يهدد استقرارها وتقدمها.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…