الجالية الجزائرية في الخارج… بين حق التصويت وضعف التمثيل
تعيش الجالية الجزائرية في الخارج كلما اقترب موعد انتخابي على وقع نقاش يتجدد حول مدى حضورها في العملية الديمقراطية الوطنية. ورغم أن الدستور والقانون يكفلان حقها في المشاركة، إلا أن الواقع العملي يكشف عن تحديات عديدة تجعل مساهمتها محدودة الأثر، سواء في مرحلة مراجعة القوائم الانتخابية أو عند الحديث عن التمثيل النيابي داخل البرلمان.
أولى الإشكاليات التي تطرح نفسها ترتبط بمراجعة القوائم الانتخابية. فرغم أن عدد الناخبين المسجلين بالخارج بلغ حوالي 902 ألف شخص، إلا أن هذا الرقم لا يعكس الحجم الحقيقي للجالية التي تُقدّر بملايين عبر مختلف القارات. السبب يعود بالأساس إلى ضعف حملات التوعية الموجهة من القنصليات، وإلى نقص التواصل مع الجمعيات التي تمثل الجالية، فضلًا عن غياب منصات رقمية فعالة تمكّن الناخبين من معرفة آجال المراجعة والتحقق من وجود أسمائهم ضمن القوائم. والنتيجة أن كثيرًا من الجزائريين في الخارج يُفاجأون يوم الاقتراع بغياب أسمائهم، أو بتأخر عملية تسجيلهم.
هذا الخلل في المعلومة يتضاعف أثره مع مشكلات أخرى مرتبطة بسلامة القوائم نفسها. فقد تظل أسماء متوفين مسجلة، أو يحدث تكرار في تسجيل بعض الناخبين، وهي أمور قد تضعف من الثقة في العملية الانتخابية. الحل يكمن في جعل تحديث القوائم عملية مؤسساتية منتظمة، بالتنسيق المباشر بين القنصليات والسلطات المركزية. كما أن اعتماد التسجيل التلقائي لكل جزائري حامل لبطاقة قنصلية من شأنه أن يوسع المشاركة بشكل طبيعي ويغلق الباب أمام الهفوات الإدارية.
أما على مستوى التمثيل النيابي، فإن الجالية الجزائرية تحظى اليوم بثمانية مقاعد في المجلس الشعبي الوطني من أصل 407 مقاعد. وقد حُدد هذا العدد وفق معايير قانونية تقوم على تخصيص مقعد واحد عن كل 120 ألف نسمة، مع إضافة مقعد ثانٍ عن كل 60 ألف نسمة إضافية، وضمان حد أدنى بثلاثة مقاعد للولايات الصغيرة. وبتطبيق هذه القاعدة، يبدو العدد الحالي منسجمًا مع النصوص القانونية. غير أن هذا الانسجام الحسابي لا يعكس الحقيقة السياسية، فجالية يقارب عدد مسجليها المليون، وتفوق في حجمها ولايات كبرى مثل سكيكدة أو تيبازة، لا يمكن اختزالها في ثمانية مقاعد فقط.
إن إصلاح هذا الوضع لا يتطلب سوى إرادة سياسية صادقة. فمن خلال مراجعة دقيقة للقوائم، واعتماد التسجيل التلقائي، وتكثيف التوعية عبر القنصليات والمنصات الرقمية، يمكن رفع نسب المشاركة بشكل ملموس. كما أن إعادة فتح النقاش حول عدد المقاعد المخصصة للجالية وتوزيعها العادل بين مناطقها المختلفة سيمنحها حضورًا أكبر داخل المؤسسة التشريعية، ويعزز صلتها بالوطن، ويثبت أن الدولة تعترف بمكانتها ودورها.
الجالية الجزائرية ليست مجرد امتداد سكاني بالخارج، بل هي جزء من نسيج الأمة، تحمل معها هويتها وتاريخها، وتسهم في مستقبلها. ومنحها ما تستحق من اهتمام في العملية الانتخابية، عبر قوائم دقيقة وتمثيل برلماني منصف، هو الضمانة الحقيقية لوحدة الجزائريين أينما وجدوا.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…