الحكم الذاتي… الانتحار المبرمج لـ”مملكة الليوطي”
شرح وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، في لقاء متلفز، كل حيثيات قرار مجلس الأمن، مؤكداً أن الجزائر كانت على استعداد للتصويت لصالحه لو تم تعديل الجملة المتعلقة بالحكم الذاتي الواردة في ديباجة المشروع، بحيث يصبح الحكم الذاتي مجرد حل من بين الحلول المقترحة لتسوية قضية الصحراء الغربية، وليس الخيار الوحيد. وذكّر أيضاً بتصريح مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي شدّد على أن أي اختيار يجب أن يخضع لتصويت الشعب الصحراوي. ويبدو أن هذا التصريح نزل كالصاعقة على أوساط المقرّبين من المخزن، بعد احتفائهم بقرار مجلس الأمن وكأنه انتصار يؤكد ضمّ الصحراء الغربية لباقي أجزاء المروك.
والحقيقة أن خيار الحكم الذاتي هو أخطر مسار اختاره المروك، لأنه يتطلب أولاً التفاوض المباشر مع جبهة البوليساريو، ثم يتطلب — وهذا الأهم — تغييراً جذرياً في الدستور المروكي الحالي، والانتقال إلى نظام حكم فيدرالي يختلف تماماً عمّا هو قائم حالياً. فالدستور المروكي الحالي لا يعكس صفة المواطنة الكاملة، ويقدّم مفردات لا تنسجم مع الوضع السياسي الحديث، كما لا يحدد بوضوح حدود المملكة، وهو ما يصعّب تقبّل الصحراويين لأي صيغة حكم ذاتي في ظل هذه البنية الدستورية.
إن الدخول في مفاوضات جدية حول الحكم الذاتي سيقود حتماً إلى تغيير عميق في طبيعة النظام السياسي المروكي، إذ يجب أن يُعاد صياغة الدستور ليتضمن بوضوح معالم الحكومة والبرلمان اللذين سيقودان الإقليم، مع تحديد الصلاحيات التي تبقى في يد الدولة المركزية — كالدفاع والخارجية — مقابل منح بقية الاختصاصات للهيئات المحلية الصحراوية، كما هو معمول به في الأنظمة الفيدرالية. والسؤال المطروح هنا: هل المروك مستعد للتحول إلى نظام فيدرالي يقلّص من مركزية الحكم ويعيد توزيع السلطة بشكل واضح، في نظام يمنح الملك صلاحيات واسعة تجعل المواطن في موقع التابع للسلطة أكثر من كونه شريكاً فيها؟
المفاوضات حول آليات تطبيق الحكم الذاتي ستكون شاقة وطويلة — إن حدثت — وقد تقود إلى إعادة تشكيل كاملة للنظام السياسي المروكي، وتحويله من نظام مركزي متسلّط إلى صيغة فيدرالية قد تفتح الباب لاحقاً أمام مناطق أخرى للمطالبة بوضع مماثل، مثل منطقة الأطلس أو الريف، الذي عاش لسنوات في كنف جمهورية قائمة بذاتها لها حكومة ونقد وجيش، ولولا التحالف المروكي–الإسباني–الفرنسي لإخمادها لكانت واقعاً قائماً إلى اليوم. وفي حال تعديل الدستور لاستيعاب صيغة الحكم الذاتي المقترحة من طرف المخزن، فإن ذلك سيشجع مناطق مروكية أخرى على طلب حقوق مماثلة، ما قد يدخل المروك في نظام جديد يفتت سلطته المركزية، وقد يهدد مستقبل الحكم العلوي في غرب المنطقة.
المنطق السياسي الذي دخل فيه المروك لمعالجة نزاع الصحراء الغربية يمثل المسار الأصعب والأكثر خطورة، خاصة أن الخيارين الأصليين اللذين كان يفترض طرحهما في استفتاء تقرير المصير هما: الانضمام للمملكة أو الاستقلال. أما اليوم، فقد أضاف المخزن خياراً ثالثاً يتطلب إعادة بناء كاملة للنظام السياسي والدستوري، ويفتح الباب واسعاً أمام مطالب جهوية داخلية أخرى ستطالب بحقوق مشابهة للحكم الذاتي، ما يجعل هذا المسار أقرب إلى مخاطرة سياسية كبرى قد لا يكون المروك مستعداً لتحمل تبعاتها على المدى الطويل.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تأسيس جمهورية “البريزيدان” الفدرالية …
صراحة، عندما قرأت تصريح فرحات مهني في باريس وهو يتحدث عن إعلان “جمهورية قبائلية فدرالية”، …







