‫الرئيسية‬ في الواجهة الحدث الدولي الدفاع الأوروبي.. الحلم والكابوس
الدولي - مقالات - 17 مارس، 2025

الدفاع الأوروبي.. الحلم والكابوس

الدفاع الأوروبي.. الحلم والكابوس
كلما ظهرت أزمة بين أمريكا والأوروبيين، تعود للواجهة قضية الدفاع الأوروبي المستقل وتكثر الأحاديث حول بناء حلف عسكري أوروبي مستقل عن الناتو والولايات المتحدة الأمريكية. فما هي حقيقة الأمر؟

كان اتحاد أوروبا الغربية (UEO) لسنوات يمثل الحلف العسكري الأوروبي، وكان آخر من ترأسه البلجيكي أرمون دوديكار، الذي كان أيضًا رئيسًا لمجلس الشيوخ البلجيكي، وهو سياسي محنك توفي منذ سنوات. تم حل اتحاد أوروبا الغربية، وأصبح الدفاع الأوروبي أحد أركان الاتحاد الأوروبي بعد تعديل اتفاقية الاتحاد، ثم اختفى من ساحة النقاش تحت ضغط أصدقاء أمريكا أو المدافعين عنها داخل الاتحاد، وأبرزهم بريطانيا، ثم دول شرق أوروبا سابقًا وبعض الدول الغربية التي انضمت إلى الركب الأمريكي بعد التغييرات التي حدثت في قياداتها السياسية. سنواتٍ وهذه البلدان الموالية لأمريكا تعارض أي بناء لحلف أوروبي عسكري خارج حلف الناتو، أي خارج سيطرة أمريكا.

أبرز مثال على تبعية بعض البلدان الأوروبية لأمريكا تجسد في مشتريات بولندا لطائرات هليكوبتر أمريكية بعد مفاوضات طويلة مع فرنسا على شراء حوامات فرنسية، لكن في النهاية اشترت من أمريكا، باستخدام الأموال التي تلقتها من الاتحاد الأوروبي. ومن المعروف أن بولندا دائمًا تفتخر بأنها الدولة التي تتلقى أموالًا من الاتحاد الأوروبي أكثر من مساهمتها في ميزانيته، وقد تفننت في استغلال المساعدات الأوروبية لسنواتٍ، وربما حتى الآن. دولة أخرى، وهي غير عضو في الاتحاد الأوروبي، هي سويسرا، التي تفاوضت لسنواتٍ على شراء طائرات حربية فرنسية، وفي النهاية اختارت شراء طائرات F-35 من أمريكا، تاركة فرنسا تندب حظها الضائع في بيع طائراتها للأوروبيين.

أحد أبرز الملفات المتعلقة ببناء الحلف العسكري الأوروبي المستقبلي هو صناعة الأسلحة. وقد أسست المفوضية الأوروبية مؤخرًا صندوقًا لدعم صناعة الأسلحة في أوروبا، لكن الأمور معقدة جدًا في هذا المجال، لأن الدول التي تنتج الأسلحة داخل الاتحاد الأوروبي قليلة للغاية، لا تتجاوز خمس دول، إضافة إلى إيرلندا التي تقدمت كثيرًا في السنوات الأخيرة في مجال البرمجيات ذات الاستعمال العسكري المتطور. تتمثل أزمة الأوروبيين في أن صناعة الأسلحة محصورة في دول بعينها ولا تشمل جميع الدول الأوروبية، مما يشرح تعثر النقاش السياسي حول توحيد الصناعة العسكرية الأوروبية. ورغم وجود لجنة خاصة في البرلمان الأوروبي تدرس هذا الموضوع، إلا أن النقاشات لم تفضِ إلى أي نتيجة ملموسة حتى الآن.

العراقيل في توحيد الصناعة العسكرية تتطلب وضع برنامج تكميلي يسمح لبعض الدول الأوروبية بعدم تصنيع نفس الأسلحة التي تنتجها دول أخرى مجاورة لها، وهو ما يتطلب تضحية اقتصادية ودفاعية من الصعب قبولها. حيث إن مسائل الدفاع الوطني تظل، حتى اليوم، من القضايا السيادية في الدول الأوروبية، ولا تتحكم فيها بروكسل. بعض الدول الأوروبية ترى أن توحيد الصناعة العسكرية سيعني هيمنة منتجي الأسلحة في أوروبا على حساب الدول التي لا تنتج أسلحة، وهي الأغلبية في المنظومة الأوروبية المشتركة.

ورغم سنواتٍ من النقاش، لم تُحل الخلافات ولم تُتخذ أي قرارات حاسمة في هذا المجال. سارج داسو، في أحد لقاءاته في البرلمان الأوروبي منذ سنوات، حذر نواب البرلمان من أن تعثر تطوير الصناعة العسكرية الأوروبية سيجبر أوروبا على شراء الطائرات التي تستخدمها للدفاع عن نفسها من السوق الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية. وكان داسو محقًا، إذ تُظهر النتائج اليوم أن أوروبا تشتري بكثافة طائرات F-35 الأمريكية رغم الجدل والانتقادات. سارج داسو كان يحذر من أن صناعة الطائرات معقدة، ويجب توحيد الجهود والوسائل المالية لإنتاج الطائرات الحربية المتطورة والتنافسية.

أزمة الصناعة العسكرية ليست الوحيدة التي تقف أمام تأسيس حلف دفاعي أوروبي قوي، بل هناك الأخطر من السلاح وهو الجيش نفسه. ألمانيا غير قادرة على تأسيس جيش قوي لأنها لا تملك القوة البشرية الكافية لذلك، وقد فكرت منذ سنوات في الاعتماد على الشباب الكرد لإعادة بناء جيش قوي يدافع عن ألمانيا. بلدان أوروبية عديدة تعاني من أزمة الشيخوخة، ولا تملك أجيالًا من الشباب يمكنها تأسيس جيوش قوية. فالدنمارك، على سبيل المثال، تعمل على تأخير سن التقاعد إلى ما بعد 70 سنة بسبب عدم وجود أجيال تخلف الأجيال الحالية. أزمة التقدم في السن تمس جميع البلدان الأوروبية، وربما هي ما يحرك موقف المجر المناهض للحرب، حيث فقدت المجر الكثير من رجالها في الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، لا يوجد سوى رجل واحد مقابل ثلاث نساء في المجتمع المجري. الدخول في حرب جديدة قد يؤدي إلى فقدان المجر الكثير من رجالها وشبابها، مما سيؤدي إلى تدمير اقتصادها ومجتمعها.

وأكاد أجزم أن بعض الأزمات في بلدان جنوب المتوسط، ومنها الجزائر، يتم التخطيط لها بدقة فائقة من أجل تهجير شبابها باتجاه أوروبا للاستفادة منهم، ومن خططها دعم التطرف الديني الذي يدمر الحياة الاجتماعية والثقافية في تلك البلدان. هذا التطرف يعمل على تأخير تنمية تلك البلدان وتقدمها، مما يحولها إلى مجرد خزان بشري يمد أوروبا باليد العاملة والثروات والمواد الأولية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…