‫الرئيسية‬ الأولى الصواريخ الإيرانية تفتح سماء إسرائيل على مصراعيها
الأولى - الدولي - مقالات - 19 يونيو، 2025

الصواريخ الإيرانية تفتح سماء إسرائيل على مصراعيها

الصواريخ الإيرانية تفتح سماء إسرائيل على مصراعيها
كما تفتخر إسرائيل والولايات المتحدة بكون المجال الجوي الإيراني أصبح مكشوفًا أمام طائراتهما، فإن إيران بدورها، وبفضل الترسانة الصاروخية المتطورة التي تمتلكها، أصبحت تتحكم عمليًا في سماء الكيان الصهيوني. لقد تحول الفضاء الجوي الإسرائيلي إلى منطقة مفتوحة أمام صواريخ طهران، التي تعبث فيه كما تشاء، بل وتعيد تعريف مفهوم “السيادة الجوية” في سياق الحرب الحديثة.

لقد خلقت إيران سابقة عسكرية غير مسبوقة؛ فالصواريخ لم تعد أدوات قصف تقليدية تُطلق من بعيد، بل أصبحت وسيلة لفرض السيطرة الجوية على دولة معادية. بهذا المعنى، أصبح امتلاك إيران لصواريخ باليستية وفرط صوتية بمثابة “سلاح جوي استراتيجي”، يهدد الفضاء الإسرائيلي ويعيد رسم توازنات القوة.

الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية، بسرعتها الخارقة وقدرتها على ضرب الأهداف بدقة شبه مطلقة، لا يمكن رصدها أو اعتراضها بسهولة. الأنظمة الدفاعية التقليدية، بما فيها القبّة الحديدية الإسرائيلية، عاجزة أمامها، لأنها صممت لاعتراض صواريخ أبطأ وأقل دقة. وبهذا، تدخل إيران نادي القوى التي تمتلك “اليد العليا” في أي مواجهة محتملة.

هذا التطور يرعب الولايات المتحدة، التي تواصل تطويق إيران من جهاتها البحرية والجغرافية باستخدام حاملات الطائرات وقواعدها المنتشرة في الخليج. لكن في حال امتلاك إيران لصواريخ فرط صوتية مخصصة لاستهداف السفن، فإن حاملات الطائرات الأمريكية ستتحول إلى توابيت عائمة لعسكرييها، وستُغرق بسهولة كما لو كانت ألعابًا، ما يجعل أي مغامرة عسكرية أمريكية عالية الكلفة والمخاطر.

في هذا السياق، يأتي تحذير موسكو لواشنطن من مغبة التدخل المباشر في الحرب، كمؤشر على خطورة التصعيد. فإن اندلاع مواجهة مباشرة بين إيران والولايات المتحدة سيشكل شرارة محتملة لحرب عالمية ثالثة، خاصة إذا ردّت إيران على القواعد الأمريكية المنتشرة في قطر، الكويت، البحرين، السعودية وتركيا. كما أن غلق مضيق هرمز – في حال تطور الأحداث – سيعصف بأسواق الطاقة العالمية، ويؤدي إلى كوارث اقتصادية تمسّ الولايات المتحدة ذاتها، التي تمرّ حاليًا بأكبر أزمة مالية واقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية.

من جهة أخرى، تسعى إسرائيل إلى جرّ أمريكا إلى مواجهة شاملة، قد تكون القاعدة التي تستفيد منها قوى أخرى؛ إذ ستجد الصين فرصة مناسبة لاستعادة تايوان، وستتمكن روسيا من إكمال ضم أوكرانيا دون مقاومة فعلية من الغرب المنهك. وبالتالي، لا يمكن لواشنطن أن تبرّر تدخلها في مواجهة إيران، بينما تعجز عن دعم أوكرانيا أو وقف التوسع الصيني، وهو ما يكشف ازدواجية المعايير التي تحكم السياسة الأمريكية.

حتى الحديث عن القنبلة النووية الإيرانية – سواء كانت موجودة فعلاً أم لا – لم يعد يشكل تهديدًا مفرطًا، لأن الكيان الصهيوني يمتلك بدوره ترسانة نووية. وأقصى ما قد يحدث في هذا السياق هو توازن ردع متبادل لا يسمح باستخدام هذا السلاح دون حسابات مدمّرة.

في الجوهر، ما يحدث اليوم هو صراع على بنية النظام العالمي. الهدف الحقيقي من التصعيد ضد إيران ليس أمن إسرائيل فحسب، بل محاولة تكسير التحالف الصاعد الذي تقوده روسيا والصين عبر منظمة “بريكس”، والذي يشكّل تهديدًا حقيقيًا للهيمنة الاقتصادية الأمريكية. هذا التحالف يُعيد تشكيل النظام العالمي بعملة بديلة، ويُفقد الدولار مكانته، ويُقلص ثقة المستثمرين في سندات الخزينة الأمريكية.

لقد حاولت إسرائيل تقديم خدمة مجانية لأمريكا، بإشعال الحرب مع إيران، لكنها تجاهلت دروس التاريخ، وفشلت في تقدير حجم الرد المقابل. فبداية الحرب سهلة، لكن لا أحد يضمن نهايتها أو يتنبأ بعواقبها. وهكذا، ورّطت إسرائيل نفسها، وورّطت واشنطن، وحتى الغرب بأسره، في مغامرة محفوفة بالمخاطر، قد تتحول إلى كارثة كونية في حال استعمال الأسلحة النووية، أو تلوث مياه البحار التي تعتمد عليها دول الخليج في تحلية مياه الشرب، مما يهدد شعوبًا كاملة بالعطش والإشعاع لعقود.

إسرائيل، التي اعتقدت أنها قادرة على إنهاء البرنامج النووي الإيراني عبر هجمات محدودة، فتحت على نفسها أبواب الجحيم. وها هي اليوم، رغم امتلاكها لأحدث منظومات الدفاع، ترى سماءها تُخترق، وأجواءها تُنتهك، دون أن تتمكن من ردع الصواريخ الإيرانية، التي فرضت سيطرة شبه كاملة على المجال الجوي للكيان. لقد دخلنا عهد الصواريخ الذكية… وخرجنا من زمن التفوق الجوي التقليدي.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…