‫الرئيسية‬ الأولى «الطوق»… اعتراف أدبي من قلب الرماد
الأولى - فنون وثقافة - ‫‫‫‏‫أسبوعين مضت‬

«الطوق»… اعتراف أدبي من قلب الرماد

«الطوق»... اعتراف أدبي من قلب الرماد
تسائل رواية «الطوق – أرواح في طريقها إلى الخلاص»، الصادرة عن دار أدليس للنشر والتوزيع، للكاتبة الجزائرية رملة ماي، الإنسان في أعمق تناقضاته، بين القيود التي تكبّله والرغبة الدفينة في الخلاص. تقدم الكاتبة من خلالها عملاً أدبيًا يتجاوز حدود السرد التقليدي، ليغوص في متاهات النفس البشرية، كاشفًا صراعاتها الداخلية بين الألم والأمل، بين الاحتراق والانبعاث.

بلغةٍ شاعريةٍ رصينة، مشبعةٍ بالشجن والتأمل، تنسج رملة ماي نصًا إنسانيًا يوازن بين الواقعية والرمزية، حيث تتحوّل الأطواق التي تخنق الأرواح إلى مرايا تعكس سعيها نحو الحرية. وتنطلق الرواية من مشهد واقعي مأساوي هو حرائق الجزائر سنة 2021، غير أنّ النيران التي تتناولها لا تلتهم الغابات فحسب، بل تمتد لتلتهم ما تبقّى من الإنسان في داخله.

ومن بين الرماد تولد الشخصيات محمّلة بوجعها وأسئلتها: عبلة الكاتبة التي يقيدها حبّ محظور ويشلّ قلمها، يحيى الجندي الهارب من ذاته قبل الحرب، جلال الفنان العالق بين الحلم والخذلان، إسماعيل صاحب السلطة الغارق في جهله بنفسه، وبدرة التي تطارد وهماً جميلاً اسمه الأمومة كآخر خيط نجاة. كل شخصية تحمل طوقًا يلتف حول روحها لا عنقها فقط، فيتحول القيد إلى رمزٍ للذات الأسيرة، وتغدو النجاة رحلةً طويلةً نحو معنى الحرية.

تُعيد رملة ماي عبر «الطوق» تعريف الخلاص لا كتحرّرٍ خارجي، بل كتصالحٍ داخلي مع ما لا يمكن تغييره. وتوظف أسلوبًا أدبيًا يجمع بين الحسّ الفلسفي والتصوير الشعري، لتخلق عملاً تتقاطع فيه الأصوات والذاكرة، وتتحوّل الحكاية إلى مرآة تعكس هشاشة الإنسان وقوّته في آن واحد. فـ«الطوق» ليست رواية حدث، بل رواية حالة، تدفع القارئ إلى التأمل في القيود التي يضعها بنفسه، وفي النيران التي قد تضيء طريقه بدل أن تحرقه.

قبل «الطوق»، كانت رملة ماي قد قدّمت روايتها الأولى «خيوط من الذاكرة»، التي كشفت من خلالها عن أسلوبٍ متفرّد في معالجة العاطفة والحنين بلغةٍ شاعريةٍ راقية. أما في عملها الجديد، فقد بدا النضج أوضح والرؤية أعمق، فاشتدّ الحبر واتسع الأفق، لتقدّم الكاتبة نصًا أكثر صدقًا وامتلاءً بالتجربة الإنسانية.

بهذا العمل، تؤكّد رملة ماي حضورها في المشهد الأدبي الجزائري والعربي كصوتٍ أنثويٍّ جريء يلامس جوهر الوجع الإنساني. فـ«الطوق» ليست مجرّد رواية تُقرأ، بل تُعاش؛ اعتراف مكتوب ونافذة مفتوحة نحو الخلاص في زمنٍ تتكاثر فيه القيود وتبهت فيه المعاني.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

العقرب الملائكي.. رواية تكشف الوجه الخفي لمعاناة المرأة بين القيد والنهضة

تطرح الكاتبة غنّام جمعة في روايتها الجديدة “العقرب الملائكي” عملاً سردياً لافت…