العقرب الملائكي.. رواية تكشف الوجه الخفي لمعاناة المرأة بين القيد والنهضة
تطرح الكاتبة غنّام جمعة في روايتها الجديدة “العقرب الملائكي” عملاً سردياً لافتاً يستند إلى واقعية حادة ووعي اجتماعي عميق، لتكشف من خلاله المساحات المظلمة في حياة المرأة داخل المجتمعات المحافظة. وتقدّم الرواية مقاربة جريئة لقضايا الحرية، والكرامة، والصمود النفسي، عبر مسار شخصية نسائية تبحث عن خلاصها وسط عالم مليء بالتناقضات.
تبدأ أحداث الرواية بخروج البطلة من قريتها نحو المدينة، على أمل التحرر من قيود اجتماعية أثقلت سنواتها الأولى. غير أنّ المدينة التي بدت لها في البداية فسحة حياة أوسع، تتحول سريعاً إلى فضاء آخر للمعاناة والصدام مع واقع أشدّ قسوة. تجد البطلة نفسها عالقة بين زواج مفروض عليها ومجتمع يراقب تفاصيلها ويحاصر اختياراتها، في رحلة لا تنشد فيها الأمان فقط، بل تحاول عبرها إعادة تعريف وجودها ومعنى الحياة بالنسبة إليها.
وتكشف الكاتبة، عبر بناء نفسي متماسك، عن التحولات الداخلية التي تمر بها البطلة؛ امرأة تواجه الظلم بصمت، وتحافظ على كرامتها كآخر خطوط الدفاع في مواجهة مجتمع ذكوري تتعدّد فيه أشكال الهيمنة من الأسرة إلى الفضاء العام. ومع أنّ الرواية ترصد الألم والخيبة، فإنها لا تنزلق إلى خطاب البكائيات، بل تمنح البطلة صورة المرأة المقاومة التي ترفض الاستسلام.
العنوان نفسه، “العقرب الملائكي”، يعكس ثنائية العمل: القسوة والرقة، السمّ والحماية، الخير والشر. وهو عنوان يلخّص رؤية الكاتبة إلى الإنسان، وإلى المرأة تحديدًا، باعتبارها كائناً يتصارع في داخله الملاك والعقرب معاً، في محاولة يائسة للموازنة بين الضعف والقوة. هذه الرمزية تمنح العمل بعداً فلسفياً يكلّل السرد ويجعله أكثر اتساعاً من قصة شخصية واحدة.
وتعتمد غنّام جمعة لغة واضحة بعيدة عن الزخرفة، تركّز فيها على تطوّر الحدث وتحليل دواخل الشخصيات. فلا إجابات جاهزة في الرواية، بل أسئلة تُفتح على احتمالات التأويل، وتحثّ القارئ على التفكير في مفاهيم العدالة حين تصمت القوانين ويبقى صوت المعاناة وحده شاهداً.
وتبرز الرواية كإضافة نوعية في الأدب الجزائري والعربي المعاصر الذي يسعى إلى منح المرأة صوتاً أكثر حضوراً وصدقاً، بعيداً عن التنميط أو المبالغة. فـ”العقرب الملائكي” ليست مجرد حكاية تُروى، بل تجربة إنسانية تُلامس القارئ، وتعيد وضع قضايا المرأة في قلب النقاش الاجتماعي والثقافي.
بهذا العمل، ترسّخ غنّام جمعة حضورها كصوت أدبي شاب يمتلك الجرأة على ملامسة المسكوت عنه، ويضع معاناة المرأة في سياقها الإنساني الأوسع، مؤكدةً أنّ الضوء يولد دائماً من قلب العتمة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
“ساس غولين” رواية شبابية تحمل رؤية فلسفية وإنسانية في قالب تشويقي معاصر
يواصل الأدب الجزائري في السنوات الأخيرة رفد الساحة الثقافية بأصوات جديدة شابة، تسعى إلى تق…






