المؤرخ بنجامين ستورا: “كان لابد من اعتراف الدولة بمسؤولية الاستعمار في اغتيال بن مهيدي”
أعرب المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا عن دعمه لاعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمسؤولية فرنسا عن اغتيال القائد الجزائري العربي بن مهيدي، الذي كان أحد رموز جبهة التحرير الوطني الجزائرية وقادة الثورة ضد الاستعمار الفرنسي. وقد تم اغتيال بن مهيدي على يد الجيش الفرنسي عام 1957، بعد اعتقاله وتعذيبه، رغم إعلان السلطات حينها وفاته كـ”انتحار”.
وأشار ستورا، في حديث مع إذاعة “فرانس إنفو”، إلى أهمية هذا الاعتراف، معتبرًا أنه “كان لا بد أن يأتي من الدولة” لأن دور بن مهيدي كان محوريًا في الثورة الجزائرية. ورغم قلة معرفة الفرنسيين باسمه، كان بن مهيدي من القادة الذين أشعلوا شرارة التحرير في الأول من نوفمبر 1954.
هذا الاعتراف جاء بعد اجتماع ماكرون مع خمسة مؤرخين من اللجنة المشتركة لدراسة الذاكرة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، والذين ناقشوا معه الحقائق حول وفاة بن مهيدي. وتُعد هذه الخطوة جزءًا من سلسلة مبادرات اعتذارية يقوم بها ماكرون لتناول ملفات الاستعمار وحرب التحرير الجزائرية بهدف الوصول إلى مصالحة تاريخية بين فرنسا والجزائر.
يرى ستورا أن هذا الاعتراف لا يكفي لوحده، إذ يجب أن تتبعه خطوات أخرى، من بينها استرجاع الممتلكات المنهوبة. ففي تقرير قدّمه عام 2021، دعا ستورا فرنسا إلى إعادة بعض المقتنيات الرمزية، مثل مقتنيات الأمير عبد القادر الجزائري، التي تشمل عصا القيادة، سيفه، برنوسه، ومصحفه.
وتأتي هذه المطالب ضمن إطار أوسع يهدف إلى “إعادة الممتلكات” التي تم نهبها خلال فترة الاستعمار، كجزء من الاعتراف بالمسؤولية عن الماضي الاستعماري. ويعتقد ستورا أن هذه المبادرات الرمزية يمكن أن تساعد في طي صفحة مظلمة من التاريخ وتعميق المصالحة بين الشعبين.
يمثل اغتيال العربي بن مهيدي، الذي كان عضوًا في “مجموعة الستة” المؤسسة لجبهة التحرير الوطني، نقطة حساسة في تاريخ العلاقات بين البلدين. فرغم سنوات من الصمت، تراكمت الأدلة والشهادات التي أثبتت أن وفاته كانت عملية إعدام منسقة من السلطات الفرنسية، وليست حادثة انتحار كما زعمت حينها.
منذ وصوله إلى الرئاسة، أبدى ماكرون استعدادًا للتصدي للملفات التاريخية الحساسة، عبر الاعتراف بدور فرنسا في جرائم الاستعمار. وبهذا الاعتراف الأخير، يبدو أن ماكرون يسعى لاتخاذ خطوات متقدمة في المصالحة، عبر معالجة الذكريات المشتركة وتقديم تعويضات رمزية.
يعد هذا الاعتراف خطوة أساسية في مسار المصالحة، لكنه قد يكون مقدمة لمزيد من الإجراءات التي يمكن أن تساهم في رأب الصدع بين الشعبين الفرنسي والجزائري. فمناقشة الحقائق التاريخية واعتراف فرنسا بمسؤوليتها عن الجرائم الاستعمارية هي بمثابة استجابة لدعوات العدالة التاريخية التي طالما انتظرها الجزائريون.
وفي ظل تواجد لجنة مشتركة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين، تتطلع الأطراف المعنية إلى مقاربة موضوعية للإرث الاستعماري، ما يفتح الباب أمام بناء علاقة متينة تعتمد على فهم مشترك للتاريخ وتجاوز الخلافات التي كانت عائقًا في الماضي.
بهذا الاعتراف، يبدو أن فرنسا بدأت في السير نحو مسؤولية تاريخية أعمق، مما قد يمهد لمصالحة شاملة، حيث يسعى الجانبان إلى تأسيس تاريخ مشترك، يتذكره ويعترف به كلا الشعبين.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…