‫الرئيسية‬ الأولى المغرب في مفترق طرق: احترام الشرعية الدولية في الصحراء الغربية أو الانهيار الشامل
الأولى - مقالات - 8 سبتمبر، 2024

المغرب في مفترق طرق: احترام الشرعية الدولية في الصحراء الغربية أو الانهيار الشامل

المغرب في مفترق طرق: احترام الشرعية الدولية في الصحراء الغربية أو الانهيار الشامل
يواجه المغرب مستقبلاً غامضًا وتحديات متعددة تتطلب حلولًا جذرية، غير أن إصرار الرباط على محاولة فرض الأمر الواقع في الصحراء الغربية، وتبعيته للمصالح الأجنبية، وتجاهله لواقع ومطالب الشعب المغربي، كلها عوامل تهدد استقرار المغرب ومستقبل مملكته.

فمنذ توقيع المغرب اتفاقيات أبراهام وتطبيعه الشامل مع إسرائيل، دخل في تحولات عميقة أثرت على سياساته الداخلية والخارجية على حد سواء، وثبت للجميع أن نظام المخزن عميل لأجندات أجنبية لا تريد أي خير للمغرب ولا للمنطقة عامة. إذا استمر المغرب في رفضه للشرعية الدولية واحتلاله للصحراء الغربية وتنفيذ إملاءات القوى الاستعمارية المتصارعة على النفوذ، سيفتح ذلك أبوابًا جديدة من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة المغاربية والأفريقية، وسيكون أول ضحاياه انهيار مملكة اليوطي.

ستظل قضية الصحراء الغربية واحتلالها غير الشرعي الشوكة العالقة في حلق المغرب ومن يقف وراءه، فعلى الرغم من الدعم الدولي الذي يتوهم المغرب أنه حظي به في الآونة الأخيرة من قبل فرنسا ودول أخرى، إلا أن الوضع القانوني ومسار الحل المعتمد من قبل الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار لا يزال قائمًا. لم ينجح المغرب ولا شركاؤه في تغيير طبيعة هذا النزاع، بل زادت هذه المواقف الوضع توترًا في المنطقة، بدل أن تساهم في الحل. كما أن المغرب فشل في إقناع العالم بمطالبه التوسعية أمام حجة الشعب الصحراوي القائمة على الحق والقانون، والذي لا يزال يواصل مقاومته ضد الاحتلال رغم كل المحاولات المغربية لفرض واقع استعماري عبر ما يسميه الحكم الذاتي. ورغم أن هذا الاقتراح مرفوض، إلا أن مجرد اقتراحه من قبل دولة المخزن وحلفائها يعتبر اعترافًا منها بفقدان السيادة على الصحراء الغربية، مثل الاعتراف الضمني بالجمهورية الصحراوية من خلال جلوسها مع وفودها في مختلف نشاطات الاتحاد الأفريقي، وفي مؤتمرات وقمم شراكة الاتحاد مع الهيئات والمنظمات الدولية. فلو كان المغرب يملك ذرة من الصحراء الغربية، لما قبل مشاركتها مع أحد في عملية التقسيم والمقايضة أو التشكيك في سيادته عليها من أحد.

وفي الواقع، أدى تطبيع المملكة المغربية مع إسرائيل إلى توترات كبيرة في علاقاتها الإقليمية والدولية، خاصة بعد افتضاح مشاركة الجيش المغربي في العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين في غزة، وبعد توقيعها دون أي خجل لاتفاقيات شراكة أمنية وعسكرية مع الكيان الغاصب. هذه درجة من التطبيع لم يسبق الرباط إليها أحد.

التطبيع مع الصهاينة أثار أيضًا استياء كبيرًا من الشعب المغربي، الذي يخرج بشكل متواصل إلى الشارع للتعبير عن رفضه لهذا الانبطاح والخيانة لكل القيم الدينية والأخلاقية والسياسية والإنسانية. كما قوبلت محاولات المغرب اليائسة لخداع الدول الأفريقية بدعم إسرائيل كعضو مراقب للاتحاد الأفريقي بالرفض والاستنكار من قبل أهم الدول الأفريقية الأعضاء، وعلى رأسها الجزائر. هذا الموقف أضعف مكانة المغرب في القارة الأفريقية وأظهره على حقيقته كدولة وظيفية هدفها في الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي هو تفتيت هذا الاتحاد وجعله أداة لخدمة القوى الاستعمارية، وهو ما ترفضه الدول الأفريقية التي عانت من الاستعمار وتبعاته.

وعلى المستوى الداخلي، يواجه المغرب تحديات اقتصادية واجتماعية متفاقمة. التفاوت الطبقي، البطالة، الفساد، القمع السياسي، وغياب الملك المستمر عن شؤون البلاد، بالإضافة إلى تراكم الديون الخارجية والداخلية، والارتهان لسياسات الأجندات الخارجية التي باتت تملك كل مقومات الاقتصاد المغربي. كما تؤكد العديد من تقارير المنظمات الدولية، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، على استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة في السجون، وقمع حرية التعبير والتجمع، وتقييد عمل المنظمات الحقوقية، وسجن الصحفيين. هذه الانتهاكات نفسها تمارس بشكل منهجي ضد الصحراويين في الأراضي المحتلة، الذين يتعرضون لقمع همجي أمام سمع وبصر بعثة المينورسو، وبعلم أعضاء مجلس الأمن دون أن يحرك أي منهم ساكنًا. بالطبع يمكن تفسير سلوك المغرب في الساحة الدولية كونه أداة طيعة للقوى الأجنبية من خلال ما يسمى بالواقعية السياسية التي تؤمن بأن القوة والمصالح في العلاقات الدولية تأتي على حساب الحق والعدل والقانون. هذه العوامل كلها ستهز أركان المملكة المغربية وتساهم في الاستياء وتصعيد الشارع المغربي، وتؤدي إلى المزيد من العزلة إقليميا ودوليا.

إصرار المغرب على فرض الأمر الواقع الاستعماري في الصحراء الغربية وبحثه عن حل عسكري وتعزيز موقعه من خلال التحالف مع القوى الأجنبية، وتبني سياسات خارجية تخدم مصالحه الضيقة على حساب شعوب المنطقة وخارج إرادة الشعب الصحراوي وقرارات المجتمع الدولي، لن يؤدي إلا إلى مواصلة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة. كما يكشف بما لا مجال للشك فيه أن قادة المغرب الحاليين جاهلون للتاريخ وفاقدون للأهلية السياسية والحكمة في تسيير شؤون ومصالح المغرب، الذي يبقى، مهما حاولوا تجاهل ذلك، بلدًا منزويًا في أقصى الشمال الغربي من القارة وعاجزًا عن الحياة لوحده دون انخراطه في وحدة جهوية مع بقية الدول المغاربية، بما في ذلك الجمهورية الصحراوية.

الحل العادل والدائم للنزاع في الصحراء الغربية، والذي يمكن أن يمنح المغرب فرصة للإنقاذ، يكمن في احترام قرارات الأمم المتحدة وتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير والاستقلال. هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة وضمان مستقبل أفضل للمملكة المغربية وشعبها. أما الإصرار على فرض الأمر الواقع الاستعماري، فلن يزيد الشعب الصحراوي وحلفاءه عبر العالم إلا تصميمًا على المرافعة وتأجيج المقاومة، التي في النهاية ستكلف المغرب خسارة كبيرة لحاضره ومستقبله.

يتطلب الوضع في المغرب حلولًا شاملة وشجاعة، وأهمها مراجعة العقيدة الاستعمارية التوسعية المغربية المتجاوزة، والعودة إلى القانون والشرعية الدولية في الحل العادل والدائم للنزاع في الصحراء الغربية، واحترام أهداف ومبادئ الاتحاد الأفريقي، والسعي إلى التعاون الشامل مع دول المنطقة على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة لشعوبها.

كما يجب على المجتمع الدولي، خاصة مجلس الأمن الدولي، أن يعي أن ضمان الأمن والاستقرار والتعاون المثمر في المنطقة يكمن في تمكين الشعب الصحراوي من حقوقه المشروعة التي أقرتها له كل القوانين والهيئات الدولية، باعتبار قضيته مسألة تصفية استعمار.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

المسرح الصحراوي: “الخطوة الأخيرة”.. مسار كفاح على طريق الحرية

استقبل المسرح الوطني لولاية الجسور، قسنطينة، العرض المشترك الذي قدمه مسرح الجمهورية الصحرا…