انتظار أن تعترف بلاده بجرائمها.. الروائي ماثيو بيليزي يكسر أقفال الخزانة الملعونة لفرنسا الاستعمارية

يتحدث الروائي الفرنسي ماثيو بيليزي، بشكل مفصل عن رباعيته التي خصصها للجزائر، لجريدة “ليمانيتي” الفرنسية، مشيرا الى انه لا يكتفي بالمتداول، بل يسعى الى كسر اقفال “خزانة الاسرار الملعونة” التي تخشى السلطات الفرنسية فتحها.
بيليزي أصدر رواية “مهاجمة الأرض والشمس” عام 2022 وأعاد إصدار رواية “أنا المجيد” هذه السنة، وهو يتجرد تماما من شعوره اليق بالانتماء الجغرافي، ويندمج بأريحية في الانتماء الإنساني ويتحدث بحيادية عن جرائم حكومة بلده خلال الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي، ويرد ذلك الى ان بلاده لم تعترف حتى الان بأخطائها، ولم تقم بتسوية أي شيء حيال تاريخها الدامي مع الجزائر.
لقد حمل ماثيو بيليزي هذا الواجب، إذن على عاتقه، فهو في روايتيه يصور حياة المستوطنين المخملية الثملة الى جانب حياة الجزائريين المثقلة بالفقر والكوليرا والجهل، كما يكشف عن الشخصية المتوحشة للمستعمر الذي يدعي الحضارة، المستعمر الجشع المغتصب، الذي يهاجم الشمس والأرض دون ان يرف له جفن.
لا يفصل بيليزي بين “أنا المجيد” و”زمن التماسيح”، فهذان النصان غير المنفصلين، يحتلان مكانة مهمة جدًا في رباعيته الروائية عن الجزائر.. انهما تاريخ الاستعمار الجزائري بأكمله، من الغزو الشرس الذي يجسده الكابتن الشاب ألبرت فاندل في “زمن التماسيح”، إلى الهروب اليائس لفاندل الذي أصبح غولًا قويًا، والقليل من المستعمرين القدامى المجانين الذين أداروا نوعًا من الملكيات الارضية المسلوبة لمصلحتهم الخاصة.
في رواياته، نجد شخصيات استعمارية تقبض بيد حديدية على حلق الجزائر حتى تختنق.. غضبا معاديا للسامية في نهاية القرن التاسع عشر.. خطبا عنصرية ألقيت بلا خجل بمناسبة الاحتفالات بالذكرى المئوية، وتجاوزات جنسية للرجال الذين لا يشبعون أبدًا.. وكل سعت حكومات فرنسا المتعاقبة إلى إخفائه.
ويقول في حواره المطول لـ”ايمانيتي”: “لهذا السبب يبدو من الضروري بالنسبة لي أن أضع “أنا المجيد” و”زمن التماسيح” في مستهل رباعيتي.. هذه النسخة الجديدة تتضمن لوحات للفنان الجزائري كامل خليف، الذي يُظهر ما احتفظت به ذاكرة طفولته من وطنه الأم.. ويفتح هذان الكتابان أبواب خزانة ملعونة”. ويضيف: “أثناء إنزال عام 1830، لم يتم الترحيب بالجيش الفرنسي بأذرع مفتوحة من قبل السكان الأصليين، ولابد من قول ذلك وتكراره، لأن القوى من كافة الجهات والجامعة الفرنسية، لفترة طويلة، فضلت تجاهل الحقيقة التاريخية لهذا الأمر”.
حول هذا الموضوع، يواصل: “يمكنني أن أقتبس من فرانسوا جيز (مؤسس دار نشر “ديكوفارت”) الذي أشار في عام 2021، في مجلة “ميموار أونجو” إلى “الجهل العام في المدرسة والجامعة بالتاريخ الاستعماري”، وأن “عدد مؤرخي الاستعمار الفرنسي في الولايات المتحدة أكبر من عددهم في فرنسا”.. ويعلق: “لهذا السبب أصر على هذا الموضوع، لأنه لم يتم حسم أي شيء، وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن توافق الجمهورية الفرنسية على الاعتراف بأخطائها.. هذا سيتغير.. على سبيل المثال، تقدم إصدارات “اكت سود”، في منشوراتها المدرسية لعام 2024، لمعلمي المدارس الثانوية دراسة عن روايتي الأخيرة، “الارض والشمس”.. أنا سعيد جدًا بذلك.. إن عملي، قبل كل شيء أدبي، له أيضًا وظيفة إيقاظ الضمائر”.
ومن بين ما قاله أيضا: “عندما أبدأ بكتابة الجمل الأولى من الرواية، لا أعرف أبدًا إلى أين ستأخذني الكتابة.. ليس لدي أي طموح، أو لدي الطموح المتواضع للوصول إلى نهاية القصة، وأخيرًا كتابة الجملة الأخيرة، وإسكات الصوت أو الأصوات التي تطاردني منذ أشهر، وحتى سنوات.. متطلبي الوحيد هو منح المتحدث الحرية الكاملة.. إن رحلات خيال شخصية فاندل، وهي في الواقع شكسبيرية للغاية، تجعل من هذه الشخصية نوعًا من الأسطورة الأدبية لا يسعني إلا أن اسعد بذلك”. ويتساءل: “من خلال النص، مهما كان، تكون لدى الكاتب الرغبة السرية في الوصول إلى العالمية، أي عبور الحدود الضيقة لبلاده بالكلمات والقصة ليلامس أحاسيس الأمريكيين والبرازيليين أو القراء الأتراك. كيف يمكننا التأكد من القوة السحرية للنص، في حين أن وصول الكلمات المحصورة بين صفحات الكتاب إلى هذا النور أمر خطير للغاية؟”.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
“يسطرون” المصرية تصدر عملاً قصصيًا جزائريًا للكاتب زين الدين مرزوقي
أعلنت دار النشر المصرية “يسطرون للنشر” عن إصدار مجموعة قصصية جزائرية في فن الق…