بأوامر من ريتايو.. ترحيلات خارج القانون ضد الجزائريين!
ورد في تقرير نشره “لو جورنال دو ديمانش”وفي سابقة خطيرة تُعيد إلى الواجهة النقاش المحتدم حول احترام فرنسا لحقوق الأجانب، وخاصة الجالية الجزائرية، قامت وزارة الداخلية الفرنسية، تحت إشراف الوزير برونو ريتايو، بتنفيذ عملية طرد إداري بحق مواطن جزائري يوم 17 يوليو 2025، في ظروف وصفتها عدة جهات حقوقية بـ”الخارجة عن القانون”. ما وقع لا يمكن وصفه بغير كونه إجراءً أمنيًا سريعًا يُدار بمنطق التعليمات، لا بموجب العدالة الإدارية ولا احترام الضمانات الجوهرية المكفولة لكل شخص، مهما كانت التهم الموجهة إليه.
المعني بالأمر مواطن جزائري مقيم بصفة قانونية في فرنسا، جرى توقيفه في ساعة مبكرة من صباح 17 يوليو من منزله على يد الشرطة الفرنسية، بموجب معلومات أمنية تفيد بعلاقته المزعومة بحركات إسلامية متطرفة. لم يُقدّم أمام أي قاضٍ، ولم يُستدعَ لسماع أقواله، ولم يُمكّن من التواصل مع محامٍ، بل تم اقتياده فورًا إلى مطار شارل ديغول، وترحيله في نفس اليوم إلى الجزائر، على متن رحلة أمنية مخصّصة، بأوامر مباشرة من وزير الداخلية.
غير أن المفارقة المدوّية، التي سرعان ما حوّلت القرار من “حزم أمني” إلى “إحراج دبلوماسي”، جاءت عندما رفضت السلطات الجزائرية استقباله رغم امتلاكه جواز سفر ساري المفعول، وأعادته على الفور إلى فرنسا، ليتم احتجازه مجددًا، هذه المرة في مركز احتجاز إداري (CRA)، في انتظار ما ستقرره الإدارة الفرنسية لاحقًا.
رغم محاولة الحكومة الفرنسية تقديم الإجراء كجزء من السياسة الأمنية العامة الرامية إلى التصدي للتطرف، فإن طريقة التنفيذ تُظهر بما لا يدع مجالًا للشك أن ما حدث كان قرارًا سياسيًا، لا إداريًا، استُخدم فيه القانون كأداة للتبرير وليس كمرجعية إجرائية. فبموجب المادة L.631-1 من قانون CESEDA، يمكن لوزير الداخلية إصدار قرار طرد بحق أجنبي يشكل تهديدًا جسيمًا للنظام العام. لكن هذا النص، كغيره من المواد ذات الطبيعة التقييدية، يجب أن يُقرأ ضمن سياق الضمانات الإجرائية المرافقة له، لا كترخيص مطلق لسلطة تقديرية بدون رقابة.
وهنا تكمن الإشكالية القانونية العميقة، لم يُمنح المرحّل أي مهلة للطعن أمام المحكمة الإدارية، ولم تُعرض قضيته على قاضي الحريات أو قاضي الاستعجال، ولم يُمكَّن من ممارسة حق الدفاع أو الاستعانة بمحام. وهو ما يُعد انتهاكًا صريحًا للمادة L.512-1 من نفس القانون، وللمادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تكرّس الحق في محاكمة عادلة. وما يزيد الوضع تعقيدًا هو أن هذا الطرد لم يكن حالة فردية معزولة، بل يأتي في سياق تصاعدي تشهده فرنسا في السنوات الأخيرة، حيث استُهدفت الجالية الجزائرية تحديدًا بقرارات طرد عاجلة، بعضها بُني على “تقييمات أمنية”، لا على أدلة جنائية. وفي العديد من الحالات، يتم تنفيذ الطرد قبل أن يتمكن الشخص من الطعن، بما يشبه التنفيذ المسبق لحكم لم يصدر أصلًا.
من هذا المنظور، فإن أوامر ريتايو لا تُعبّر عن مجرد تطبيق للقانون، بل عن سياسة إدارية موجهة، تعكس انزياحًا خطيرًا نحو اختزال العدالة في قرارات وزارية فوقية، خاصة تجاه فئة معينة من الأجانب. والسؤال هنا لم يعد قانونيًا فقط، بل سياسيًا أيضًا: هل الجالية الجزائرية اليوم تحت طائلة “الاشتباه الإداري الدائم”، بما يُبرر طرد أفراد منها دون مراجعة أو محاكمة؟
بعكس ما رُوّج له في بعض وسائل الإعلام، فإن رفض الجزائر استقبال المرحَّل لم يكن تصرفًا دبلوماسيًا عدائيًا أو مناورة سياسية، بل موقفًا قانونيًا وحقوقيًا مشروعًا. فبموجب القانون الدولي، لا تلتزم أي دولة باستقبال أحد رعاياها إذا كان قرار ترحيله قد تم في ظروف غير قانونية، أو دون ضمانات المحاكمة العادلة.
بل إن الجزائر، في هذا السياق، مارست سيادتها القانونية والأخلاقية عندما رفضت المشاركة في إجراء إداري مشوب بعيوب قانونية فادحة. فهي لم ترفض مبدأ الطرد كحق سيادي للدول، بل رفضت تنفيذ طرد تم في ظل إنكار لحق الدفاع والإجراءات القانونية السليمة. وكان هذا، بحد ذاته، رسالة واضحة لفرنسا: لا يمكننا أن نكون شركاء في ترحيلات تخرق قواعد القانون الدولي الإنساني.
لا أحد يُنكر على فرنسا حقها في حماية أمنها، خاصة في ظل تصاعد التهديدات المتطرفة. لكن الشرعية لا تُعلَّق، ولا تسقط، تحت أي ظرف. القانون ليس خيارًا مرنًا بيد السلطة التنفيذية، بل هو سقف للجميع. والحق في الطعن، والدفاع، والمعاملة الإنسانية، ليس امتيازًا، بل حق غير قابل للتصرّف، حتى في وجه “الاشتباه” الأمني.
ما جرى يوم 17 يوليو، بأوامر من ريتايو، ليس مجرد إخلال بالشكليات. إنه انتهاك منهجي لمبادئ دولة القانون. وإذا استمر هذا النهج، فإن فرنسا تخاطر بتحويل نظامها الإداري إلى أداة سياسية، وتفقد في المقابل ثقة فئات كبيرة من مواطنيها والمقيمين فيها.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…