«بوعلام صنصال لا يحب الجزائر».. أنيسة بومدين تحت نيران الإعلام الفرنسي
تشهد الساحة الإعلامية الفرنسية جدلاً واسعاً منذ أيام، على خلفية التصريحات المثيرة للجدل التي أطلقتها المحامية والكاتبة أنيسة بومدين، أرملة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، بشأن قضية الكاتب المعتقل بوعلام صنصال. فبعد أن رفضت صراحة المطالبة بالإفراج عنه، معتبرة أنه “لا يحب الجزائر”، تحوّلت إلى هدف لهجمات لاذعة في الصحافة الفرنسية، لا سيما من بعض المنابر المحسوبة على اليمين المتطرف.
اعتُقل الكاتب الروائي والفكري المعروف بوعلام صنصال في 17 نوفمبر 2024، فور وصوله إلى مطار الجزائر الدولي، بتهم تتعلق بـ”المساس بالوحدة الوطنية” و”الإضرار بهيبة الدولة”، بعد سلسلة تصريحات أدلى بها في وسائل إعلام فرنسية، بعضها محسوب على أقصى اليمين، مثل قناة CNews وصحيفة Valeurs Actuelles. في 27 مارس 2025، صدر في حقه حكم بالسجن خمس سنوات نافذة، فيما طالب الادعاء العام خلال جلسة الاستئناف المنعقدة يوم 24 جوان الجاري، بتشديد العقوبة إلى عشر سنوات. ومن المنتظر صدور الحكم النهائي في الأول من جويلية المقبل.
في مداخلة إذاعية يوم 23 جوان على إذاعة Radio Africa، أوضحت أنيسة بومدين موقفها من القضية، وقالت بالحرف الواحد: «لا، لا أطالب بإطلاق سراحه. لأنه بالنسبة لي، بوعلام صنصال لا يحب الجزائر. لقد قال إن تلمسان تنتمي للمغرب، وأن مدنًا جزائرية أخرى كذلك… هذا خطير جداً. تخيلوا لو أن سكان نيس أو كورسيكا قالوا إنهم يفضلون الانضمام إلى إيطاليا!».
هذه التصريحات جاءت في سياق تحليلي أوسع أجرته الإذاعة حول تدهور العلاقات الفرنسية-الجزائرية منذ جويلية 2024، بعد أن تبنّت باريس موقفاً أكثر تشدداً بشأن ملف التأشيرات، بالتزامن مع تصاعد التوترات حول الجالية الجزائرية في فرنسا.
حرية التعبير في الميزان
ردود الفعل لم تتأخر. فقد شنّت وسائل إعلام فرنسية هجوماً عنيفاً على بومدين. صحيفة Valeurs Actuelles وصفتها بأنها “محامية تنسى المبادئ الأساسية للعدالة وتُبرر سجن كاتب بسبب آرائه”، فيما نشرت Le Journal du Dimanche مقالاً انتقد تجاهلها لسن صنصال المتقدم (75 عاماً)، ومعاناته من مرض مزمن في الجهاز التنفسي. وأشارت الصحيفة إلى أن بومدين “تغض الطرف عن الدعوات الرسمية الفرنسية التي تطالب بلفتة إنسانية”، في إشارة إلى التصريح الأخير للوزير جان-نويل بارو، الذي قال أمام الجمعية الوطنية الفرنسية: “نحن لا نطالب بتدخل في شؤون القضاء الجزائري، بل ندعو إلى لفتة إنسانية تجاه كاتب مريض، ساهم في الأدب الفرنسي، ويواجه ظروفاً صعبة في السجن”.
الجدل تجاوز الأوساط السياسية إلى الثقافية. كمال داود، الحائز على جائزة غونكور لعام 2024، والذي يواجه بدوره مذكرة توقيف من الجزائر، كتب عبر حسابه على منصة X (تويتر سابقاً): “أنيسة بومدين تعيش في فرنسا، بلد الحريات، لكنها ترفض التضامن مع كاتب سُجن بسبب رأيه. هل أصبحت الوطنية تُقاس بالصمت عن القمع؟”.
بالمقابل، دافعت بعض الأصوات الجزائرية عن موقف بومدين، معتبرةً أن الدفاع عن حرية التعبير لا يعني تبرير خطاب يمس من الوحدة الوطنية. وأشارت صحيفة “الشروق” الجزائرية إلى أن “صنصال تمادى في تصريحاته السياسية، خصوصاً تلك التي مست التراب الوطني، ولا يمكن فصلها عن السياق الإقليمي المتوتر بين الجزائر والمغرب”.
يجري كل ذلك في ظل سياق دبلوماسي متوتر. فقد أظهرت دراسة لمعهد IFOP نُشرت في ماي 2025 أن 62٪ من الفرنسيين يعتبرون أن العلاقات مع الجزائر “غير مستقرة”، بينما يرى 47٪ من الفرنسيين من أصول مغاربية أن الحكومة الفرنسية “تُقصي” ملف الجالية المغاربية من أولوياتها.
كما أشار تقرير صادر عن وزارة الداخلية الفرنسية في فيفري 2025، إلى أن عدد الجزائريين الذين تم رفض تأشيرتهم خلال عام 2024 ارتفع بنسبة 28٪ مقارنة بعام 2023، ما أجج مشاعر الغضب لدى الجالية.
قضية بوعلام صنصال تسلط الضوء على التوتر الكامن بين حرية التعبير والمصالح الوطنية. ففي حين تطالب أصوات فرنسية وغربية بإطلاق سراح الكاتب باعتبار أن التهم الموجهة له تتعلق بآرائه، تؤكد السلطات الجزائرية أن “حرية التعبير لا تعني الطعن في السيادة الوطنية أو المساس بوحدة البلاد”.
في هذا السياق، يقول المحلل السياسي عبد الرزاق بلهادي، في حديث لـالجزيرة نت: “الملف معقد، ويتقاطع فيه ما هو قانوني، بما هو سياسي ودبلوماسي. صنصال لم يُسجن فقط بسبب ما قاله، بل بسبب كيف وأين قاله، وفي توقيت حرج للغاية”.
مع اقتراب موعد النطق بالحكم النهائي على صنصال، تترقب الدوائر الدبلوماسية والثقافية الفرنسية هذا الموعد باعتباره مفصليًا في العلاقات مع الجزائر. فإما أن يشكّل الحكم مخرجاً مشرفاً يراعي اعتبارات إنسانية، أو يزيد من تعقيد العلاقة، خصوصاً في ظل الملفات الشائكة الأخرى، كالهجرة والذاكرة والتعاون الأمني.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …