تسعة وعشرون كلمة… ورحلة داخل متاهة الشعور
تُعيد رواية تسعة وعشرون كلمة وخمسة أحرف الاعتراف الإنساني إلى واجهة الأدب النفسي المعاصر، في زمن تتشابه فيه الحكايات العاطفية وتغيب فيه الأصوات الصادقة. إنها ليست مجرد نص أدبي عابر، بل رحلة داخل النفس البشرية، تقتحم المساحات العميقة للوعي الإنساني بجرأة وصدق، وتقدّم تجربة قراءة مغايرة، حيث يتحول الحب من شعور رومانسي إلى صراع وجودي بين البقاء والنجاة، بين الرغبة في الحياة والخوف من فقدانها.
الرواية، الصادرة عن دار ببلوماني للنشر والطباعة، تنتمي إلى الأدب الاعترافي العاطفي، وتستند إلى أسلوب تيار الوعي الذي يمنح القارئ فرصة نادرة للتوغل في أعماق الشخصية دون أقنعة أو تزييف لغوي. لغتها مشحونة بالإيحاءات والرموز، تتأرجح بين الشعرية والصفاء النفسي، لتصوغ نصًا أقرب إلى البوح منه إلى السرد التقليدي. لا تروي الكاتبة حكاية فقط، بل تفتح جرحًا إنسانيًا في النص، وتحوّل التجربة العاطفية إلى فضاء للتأمل في هشاشة الإنسان وقدرته على النجاة من ذاته.
تدور الرواية حول شخصية “شيليا”، امرأة تعيش علاقة معقدة مع “جهاد”، الرجل الذي يجسد الحضور الغائب والغياب الحاضر في آنٍ واحد. بين الانتماء والانفصال، بين الخوف والرغبة، تخوض البطلة معركتها الداخلية ضد فكرة الانهيار. لا تبحث عن حب مثالي، بل عن معنى وجودها في عالمٍ تزدحم فيه المشاعر وتضيع فيه القيم. كل فصل من الرواية هو اعتراف جديد، وكل اعتراف هو مواجهة بين الروح وذاكرتها، بين الماضي الذي لا يُنسى والحاضر الذي لا يُحتمل.
من خلال هذا البوح الصادق، تتحول الكتابة إلى فعل علاجٍ نفسي، والصفحات إلى جلسات مواجهة بين الكاتبة ونفسها. تطرح الرواية أسئلة حادة عن حدود الحب والكرامة والأنوثة، وعن ما يمكن أن تفعله العاطفة حين تتحول إلى مرآة تكشف ضعف الإنسان وقوته في الوقت نفسه. هذه الجرأة في طرح الذات دون مواربة جعلت العمل يثير نقاشًا نقديًا واسعًا منذ صدوره، بين من رأى فيه مغامرة جريئة في الأدب النسوي الجزائري، ومن اعتبره مشروعًا ناضجًا يعيد الاعتراف إلى مكانته كأحد أرقى أشكال التعبير الأدبي.
وفي نهاية المطاف، تشكّل تسعة وعشرون كلمة وخمسة أحرف علامة فارقة في المشهد الأدبي النسوي الجزائري، إذ تكشف عن صوتٍ أنثويٍّ مختلف، يكتب بصدق لا يهادن، ويواجه الصمت بالكلمة، والخذلان بالبوح، ليؤكد أن الأدب ما زال مساحة للحرية حين يضيق الواقع.
ماريلجليس لويفكستوسا، كاتبة جزائرية من مدينة بواسماعيل بولاية تيبازة، من مواليد 7 جوان 1992، وجدت في الكتابة منذ طفولتها وسيلة للتنفيس النفسي والتأمل الذاتي، قبل أن تتحول إلى مشروع أدبي متكامل. وعلى مدى عقد من الزمن، كتبت نصوصًا متفرقة شكّلت لاحقًا ملامح روايتها الأولى تسعة وعشرون كلمة وخمسة أحرف، التي تشارك بها في معرض الجزائر الدولي للكتاب 2025. تؤمن الكاتبة بأن الأدب ليس ترفًا فكريًا، بل شكل من أشكال المقاومة الهادئة، وأن الكلمة الصادقة قادرة على أن تكون طريقًا نحو الشفاء والمصالحة مع الذات.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
العقرب الملائكي.. رواية تكشف الوجه الخفي لمعاناة المرأة بين القيد والنهضة
تطرح الكاتبة غنّام جمعة في روايتها الجديدة “العقرب الملائكي” عملاً سردياً لافت…







