‫الرئيسية‬ الأولى تصويت العار يعيد استهداف الجزائريين داخل المؤسسة التشريعية الفرنسية
الأولى - الوطني - مقالات - ‫‫‫‏‫يومين مضت‬

تصويت العار يعيد استهداف الجزائريين داخل المؤسسة التشريعية الفرنسية

تصويت العار يعيد استهداف الجزائريين داخل المؤسسة التشريعية الفرنسية
أعاد التصويت الذي شهدته الجمعية الوطنية في باريس يوم 30 أكتوبر 2025، والمتعلق بدعوة الحكومة إلى إنهاء الاتفاق المنظم لوضع الجزائريين داخل فرنسا، إحياء خطاب خطير يطال الجزائريين والفرنسيين من أصول جزائرية. القرار، الذي مرّ بفارق صوت واحد فقط، لا يملك قوة الإلزام القانونية، لكنه حمل شحنة رمزية أثارت صدمة واسعة داخل الأوساط الثقافية والفكرية الفرنسية، وفتح بابًا جديدًا لخطاب عدائي يعيد إلى الذاكرة موجات الاستهداف والعنف السياسي والعنصري التي عاشها الجزائريون خلال العقود السابقة. مشهد التصويت، كما وثقته كاميرات القناة البرلمانية والصحف السياسية، بدا حدثًا فاصلًا في مسار صعود خطاب اليمين المتطرف إلى قلب المؤسسة التشريعية.

سرعان ما ظهرت ردود فعل غاضبة من المثقفين الفرنسيين المعروفين بمتابعتهم لملف الهجرة والعلاقات الجزائرية-الفرنسية. الباحث المتخصص في قضايا الهجرة، فينسان غيسر، كان من أوائل من أصدروا بيانًا شديد اللهجة وصف فيه ما حدث بـ“تصويت العار” معتبرًا أنه أعاد “فتح موسم مطاردة الجزائريين في فرنسا”، مؤكّدًا أن تحويل الجزائري إلى «فزّاعة انتخابية» يعيد إنتاج لغة خطرة تبدأ بالشحن السياسي وتنتهي باستهداف اجتماعي مباشر. غيسر، الذي يعد من أبرز الباحثين في هذا المجال، ربط ما جرى بتاريخ العنف الممنهج الذي طال الجزائريين في السبعينيات والثمانينيات، محذّرًا من أن المناخ السياسي الحالي يمهّد لتكرار سيناريوهات الإقصاء نفسها.

المشهد الثقافي الفرنسي تفاعل بقوة مع هذه السابقة؛ فقد تناول كتّاب وصحفيون في مقالات مطولة ما وصفوه بـ“انحراف خطير” داخل المؤسسة التشريعية، ورأت منصات تحليلية ذات وزن—مثل المجلات السياسية المتابعة للشأن العام—أن تمرير نص بهذا الطابع يعكس طبيعة اللحظة السياسية التي يتغذّى فيها الخطاب الشعبوي على العداء التاريخي للجزائري. بعض المقالات ذهبت أبعد من ذلك، معتبرة أن التشريع نفسه تحوّل إلى منصة لإعادة تدوير سرديات “الجزائر الفرنسية” في ثوب جديد، عبر مهاجمة اتفاق تاريخي أُفرغ أصلًا من كثير من محتواه منذ تعديلات منتصف الثمانينيات وبدايات الألفية.

الجامعات والمراكز البحثية لم تقف بعيدة عن هذا الجدل، فقد نُظمت داخل عدد من معاهد العلوم السياسية والقانون حلقات نقاش طارئة ضمت أساتذة وباحثين وطلبة، ركزت على مغزى استخدام المؤسسة التشريعية لخطاب يستهدف فئة بعينها. المشاركون تناولوا ثلاثة محاور أساسية، هشاشة المبدأ الجمهوري حين يصبح الجزائري محورًا للابتزاز الانتخابي، انزلاق التشريع من أدوات الحوكمة إلى أدوات الوصم، وتعارض دعوة «الإلغاء» مع قواعد العلاقات الدولية ومع ما تبقى من أدوات الحوار الثنائي. وتقاطعت هذه النقاشات مع تغطيات إعلامية عديدة أشارت إلى أن التصويت لم يكن إلا نتيجة لتحالف ظرفي بين أطياف من اليمين وبعض الوسطيين، مستفيدًا من غياب عدد كبير من النواب، ما يفقده أي شرعية تعكس «إرادة وطنية جامعة».

ضمن هذا السياق المشحون، جاءت قراءات قانونية تؤكد أن الاتفاق، رغم رمزيته الثقافية والسياسية، لم يعد يمنح في صيغته الحالية امتيازات جوهرية واسعة، وأن أغلب بنوده تم تقليص أثرها بتعديلات لاحقة. ورأى خبراء القانون الدولي أن أي مراجعة حقيقية تحتاج إطارًا تفاوضيًا مع الطرف الجزائري، وهو أمر غير وارد حاليًا، وأن “الإلغاء” كما طُرح في الجلسة ليس إلا مغامرة رمزية لا تملك مقومات التحول إلى سياسة عامة قابلة للتطبيق. هذه المقاربة القانونية تجعل من التصويت حدثًا سياسيًا صرفًا جاء في لحظة اختناق انتخابي، لا خطوة مؤسسية ناضجة مبنية على دراسة موضوعية.

ومع كل هذه الردود المتباينة، برز داخل فرنسا سؤال جديد أكثر حساسية، كيف يمكن لبلد يتغنى بإرث حقوق الإنسان أن يسمح بتحويل ملف ثنائي قديم إلى منصة لاستهداف جالية كبيرة ساهمت عبر عقود في بناء نسيج اجتماعي وثقافي واقتصادي؟ وإن كان القرار غير ملزم، فإن أثره النفسي والسياسي على ملايين المواطنين من أصول جزائرية لا يمكن تجاهله. كثير من أبناء الجالية عبروا عن شعور بالخوف والإقصاء، مؤكدين أن ما يجري يعيدهم إلى زمن كان الجزائري فيه هدفًا لنزعات سياسية متطرفة.

تعكس هذه اللحظة حجم التوتر الكامن في العلاقة بين الجزائر وفرنسا، وتكشف أن الخلافات السياسية حين تُستعمل في لعبة الانتخابات، فإن أول من يدفع ثمنها هو الإنسان البسيط، وأن أصوات المثقفين والباحثين، سواء الفرنسيين أو الجزائريين، باتت اليوم أكثر ضرورة لمواجهة موجة خطاب يهدد بإعادة إنتاج تاريخ لا يريد أحد أن يعود.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

رئيس الجمهورية يترحّم على أرواح الشهداء بمقام الشهيد في الذكرى الواحدة والسبعين لاندلاع الثورة

ترحّم رئيس الجمهورية، السيّد عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع ال…