تهجير الكفاءات والخبرات لن يتوقف
برزت في الآونة الأخيرة عدة معلومات تؤكد هجرة جماعية للكفاءات الجزائرية من أطباء إلى مهندسين في الإعلام الآلي وغيرهم من التخصصات. هذا التوجه لن يتوقف وسيكون معضلة السنوات القادمة للجزائر ولبلدان عديدة، وسببه الأساسي هو شيخوخة المجتمعات الأوروبية وحتى أمريكا وكندا وروسيا تعاني من نفس الإشكال.
وفي دراسة أعدتها المفوضية الأوروبية منذ سنوات، تُظهر أن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى جلب 90 مليون مهاجر من خارج الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2050. الجزائر ستكون من بين هذه الدول لأنها الأقرب جغرافياً ولها نسبة شباب مرتفعة ويتخرج من جامعاتها سنوياً مئات الآلاف من الكفاءات.
استبقت دول الاتحاد الأوروبي الظروف الحالية وقررت في قمة أوروبية غير رسمية بمدينة إدنبرة منح أي دولة أوروبية الجنسية مباشرة وعقد عمل لأي عالم أو باحث من الطراز العالي يحل بأي بلد من بلدان الاتحاد. جاء هذا القرار بعد تقصي واقع البحث العلمي الذي يعاني في دول الاتحاد الأوروبي.
بدأت عملية تهجير المهندسين في الإعلام الآلي منذ أكثر من 20 سنة، وكانت ألمانيا من أول الدول التي وضعت مخابراتها خططاً ذكية لاصطياد وتهريب المتخصصين في هذا المجال للعمل في قطاع المخابرات. التقدم في السن تسبب لألمانيا، التي تحتاج إلى جلب 15 مليون مواطن بحلول عام 2030 لتغطية العجز، في فقدان محرك الديزل لعدم وجود مهندسين شباب يطورونه بما يتماشى مع حماية البيئة، كما تسبب كبر سن المهندسين في تأخير إنجاز مطار برلين الدولي لأكثر من عشر سنوات، وهو أمر لم يكن ممكناً تصوره في ألمانيا في الماضي.
الجزائر لا تهتم بهذا الأمر ولا تضع الخطط لمواجهته، وأكبر دليل أنها فقدت أكثر من مليون إطار حسب إحصائيات الكناس، وهو ما يعادل 12 دفعة تخرج من الجامعات الجزائرية. نجد حتى اليوم من يشتمهم بينما السبب في رحيلهم هو الإرهاب الإسلاموي الذي ما زال يهدد الجزائر، لأنه سمم الحياة الاجتماعية، مما أصبح أحد أهم أسباب البحث عن الهجرة للهروب من جحيم الحياة الاجتماعية الذي أسست له الحركات الدينية، وهي تقدم بذلك خدمة جليلة للاستعمار الغربي.
اتضح من فضيحة تأسيس “داعش” من طرف المخابرات الأمريكية أنها في خدمة الاستعمار ومخططاته، حيث تقوم بتهجير وإفراغ البلدان من كفاءاتها. الجزائر كانت أحد البلدان التي تعرضت للمؤامرة ولا نرى دراسة معمقة للظاهرة من أجل محاربة مسبباتها.
الجزائر الرسمية لم تولِ أي اهتمام لهجرة كفاءاتها الذين كانوا من أول ضحايا الإرهاب، بل حولتهم بعض المؤسسات الرسمية في الخارج، التي يديرها الانتهازيون والمتملقون، إلى أعداء للجزائر. لم نرَ خطاباً إيجابياً تجاه الجالية إلا مؤخراً مع الرئيس تبون، رغم أنه يواجه معارضة شرسة لتوجهه من دوائر الفساد والعمالة الذين يهدفون لتدمير الأوطان التي لا تبني إلا بكفاءاتها وأبنائها.
التفكير في سياسة وطنية للحفاظ على الكفاءات والإطارات أصبح واجباً وطنياً لكل من يفكر في مستقبل الجزائر. قربنا الجغرافي من أوروبا قد يسبب لنا دماراً لا مثيل له لمستقبل الجزائر.
لخضر فراط، صحفي معتمد لدى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، مدير نشر جريدة المؤشر.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…