“حركى 2.0” يدعون من فرنسا لقصف الجزائر!
“إذا لم تستحِ، فقل ما شئت”… ويبدو أن هذا المثل العربي الخالد لم يعد مجرد حكمة تراثية، بل تحوّل اليوم إلى عنوان صادم لحالة بعض من يزعمون تمثيل “المعارضة الجزائرية في الخارج”، ممن تخلّوا عن الحياء، وارتدوا عباءة الخيانة بلا خجل، حتى بلغ بهم الأمر إلى الدعوة العلنية لقصف الجزائر، وكأنّ الوطن بات هدفًا مشروعًا في بورصة تصفية الحسابات السياسية.
في مشهد يعكس حالة الانفصال الكلي عن الحس الوطني، قرّرت قناة إعلامية يُفترض أنها “جزائرية”، أن تفتح ملف “البرنامج النووي الجزائري” في توقيت لا يمكن وصفه إلا بالمشبوه. لا تحليل، لا تفنيد، لا حقائق موضوعية، بل طرح إعلامي أشبه بتقارير صادرة عن مراكز استخبارات خارجية. هكذا وُضع الملف على الطاولة كأنّه تهديد للعالم، لا كحق سيادي لدولة نامية.
وكما هو معتاد، لم يتأخر “حركى 2.0″ المقيمون في باريس في التقاط هذه الكرة الإعلامية، ليحولها أحدهم إلى مطالبة هستيرية بضرب الجزائر على الطريقة الإيرانية، في بثّ مباشر لا يخلو من الصراخ والتشفي. ما قاله لا يمكن عزله عن الخطاب التحريضي الذي تتبنّاه بعض الجهات المعادية النشطة في فرنسا، والمحسوبة كحركة إرهابية من طرف الدولة الجزائرية، وعلى رأسها من يُعرف بـ”البريزيدان المهني” في باريس، والذي سبق له أن صرّح من ساحة الجمهورية بأن “بعد إسقاط بوتين، سيأتي الدور على الجزائر”، واصفًا نظامها بـ”نظام العسكر الديكتاتوري”.
هكذا، ودون خجل أو أي حساب للعواقب، يُطالب من يسمّون أنفسهم “معارضين” بقصف وطنهم. وكأن عائلاتهم تعيش في المريخ، أو أن طائرات “الناتو” ستفرّق بين نظام وشعب. أي نوع من المعارضات هذا؟ هل أصبح مشروع بناء الدولة والديمقراطية يمرّ عبر بوابة “إحداثيات القصف الجوي” بدل صناديق الاقتراع؟ يبدو أن بعض هؤلاء المعارضين لم يُشفوا بعد من الحنين للاستعمار، وأن علاجهم الوحيد في نظرهم هو في مدافع الغريب، لا في الحوار الوطني ولا في الإرادة الشعبية. الأسوأ من ذلك أن هذه المواقف تجد لها صدى في منابر إعلامية ومنظمات غربية تتحدث عن حقوق الإنسان، بينما تُمهّد الخطاب الدولي لتدخل أجنبي بذريعة حماية الديمقراطية، أو في إطار مواجهة ما يُسمى بـ”النفوذ الروسي” في الجزائر والمنطقة المغاربية.
في مقابل هذا الجنون الخارج عن كل منطق، تواصل المؤسسة العسكرية الجزائرية أداء دورها بحكمة واحترافية. لا انفعال، لا استعراض، بل استعداد صامت وفهم عميق لطبيعة الحروب الحديثة التي تبدأ بـ”ترند مشبوه” و”فيديوهات ممولة”، قبل أن تتحوّل إلى هجمات سيبرانية ومحاولات لتفكيك الجبهة الداخلية. إنّ الجيش الوطني الشعبي الجزائري يُدرك تمامًا أن ساحة المعركة لم تعد محصورة في الميدان التقليدي، بل انتقلت إلى منصات التواصل، الإعلام، والتأثير الذهني، ولهذا فإن الردّ لا يكون إلا بحزم مؤسساتي متزن، لا بردود فعل هستيرية كما يتمنّى الخصوم.
لكن المؤسف أن الساحة السياسية المدنية تعاني من فراغ قاتل. الأحزاب الوطنية غائبة، الوجوه السياسية الفاعلة شبه منعدمة، الوزراء لا يتكلمون، ورئيس الحكومة في حالة صيام إعلامي لا أحد يعلم متى يُفطر عليه. هذا الصمت الرسمي والجمود المؤسسي يفتح الباب أمام الفراغ، ويمنح الفرص لأصوات دخيلة وأجندات مريبة، وسط غيابٍ واضح لأي رؤية سياسية تعبّر عن روح الدولة أو تواكب التحولات الإقليمية.
رغم كل هذا، ما زالت بعض الأصوات الوطنية تدعو لإعادة بناء جبهة سياسية وطنية تستعيد المبادرة، وتدعم التوجه السيادي الذي يمثّله الرئيس عبد المجيد تبون، خاصة في مواجهة خطر الاختراقات الإخوانية والسلفية، وفي سبيل استرجاع المشهد السياسي من قبضة البزنسة والانتهازية.
دعوة قوى أجنبية إلى شنّ عدوان عسكري على الجزائر لا تندرج ضمن حرية التعبير، ولا يمكن تبريرها بأي خلاف سياسي. إنها خيانة مكتملة الأركان، تُعبّر عن أزمة أخلاقية قبل أن تكون خلافًا سياسيًا. فالمعارض الحقيقي لا يستنجد بالخارج، بل يواجه، ينتقد، يشارك، ويقنع من داخل وطنه وبصندوق الاقتراع.
الجزائر ليست دولة فاشلة، ولا ساحة تجارب لقوى أجنبية. إنها بلد له تاريخ ودماء شهداء ومؤسسات سيادية راسخة. من يعتقد أن طريق الديمقراطية يمرّ عبر طائرات “رافال” أو “إف-16″، فقد فقد البوصلة… والعقل معًا.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…