حرب هجينة بأقلام مأجورة: “الحملة الإعلامية الفرنسية” الجديدة ضد الجزائر
تُظهر حملة إعلامية فرنسية ضد الجزائر تنسيقًا واضحًا بين جهات يمينية متطرفة، ووسائل إعلام ثانوية مثل صحيفة Rupture، وأطراف معارضة جزائرية في الخارج، إلى جانب مواقع مغربية محسوبة على المخزن، في محاولة ممنهجة لتشويه صورة الدولة الجزائرية ومؤسساتها السيادية. هذه الحملة ليست عابرة، بل هي جزء من تصعيد إعلامي مُبرمج ومكرر، يعتمد على إعادة تدوير نفس الاتهامات برموز وصياغات مختلفة، بحسب الحاجة والظرف السياسي.
ففي تقرير مشبوه نشرته صحيفة Rupture، اتُّهم نجلا رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بامتلاك “ثروات مشبوهة” في فرنسا، دون تقديم أي دليل قضائي أو وثيقة رسمية. هذه المزاعم، التي تُساق دائمًا بصيغة “يُقال” أو “وفق مصادر مجهولة”، ليست جديدة، بل تأتي ضمن سلسلة طويلة من المحاولات التي تستهدف ضرب رمزية الرئاسة الجزائرية والتشكيك في استقلالية القرار الوطني. إنها حملة إعلامية فرنسية ضد الجزائر تعيد استخدام نفس الأساليب التي استخدمتها بعض الجهات الفرنسية سابقًا لتقويض أنظمة أخرى في إفريقيا والعالم العربي.
وسبق لمجلات مثل Le Point، وMediapart، وJeune Afrique، أن ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الحملة، من خلال اتهامات حول “الفساد” أو “النفوذ الخفي” داخل النظام الجزائري. وفي مثال صارخ، نشرت مجلة Le Point تقريرًا زعمت فيه أن الجيش الجزائري متورط في قمع داخلي غير مبرر خلال الحراك الشعبي، وهي رواية فنّدتها تقارير دولية، أبرزها تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، الذي أكّد غياب أي أدلة على وقوع انتهاكات ممنهجة من هذا النوع.
وتُعد الحملة الإعلامية الفرنسية ضد الجزائر مزيجًا من الأكاذيب السياسية، والتضليل الإعلامي، واستغلال بعض المنصات الرقمية الإقليمية، خاصة في المغرب، التي سارعت إلى تبنّي سردية Rupture، مستخدمة نفس العناوين تقريبًا، ومرفقة بصور مركبة، ومصطلحات مشحونة، تخدم خطابًا واحدًا: الجزائر بلد فاسد، غير مستقر، ورئيسه متورط. هذا التشابه في التوقيت والصياغة يكشف وجود تنسيق مدروس تتداخل فيه المصالح الإعلامية الفرنسية مع طموحات إقليمية معلنة من طرف الرباط.
لكن خلف هذه الحملة، يبرز اسم كريم معلوم، مدير صحيفة Rupture، والذي يُعرف بارتباطه المباشر بخطاب اليمين الفرنسي المتطرف. معلوم يكرّر ظهوره على قناة CNews التي توصف بأنها بوق إعلامي لخطابات الكراهية، خاصة ضد المهاجرين والمسلمين. وقد سبق له أن اتّهم حزب فرنسا الأبية بقيادة جون لوك ميلونشون بأنه “أول حزب معادٍ للسامية في فرنسا”، في خطاب يُستخدم غالبًا لتصفية الخصوم السياسيين الذين يعارضون النفوذ الصهيوني أو يدعمون القضية الفلسطينية.
والمفارقة أن معلوم، رغم أصوله المغاربية، لم يدافع يومًا عن الجالية العربية أو الإسلامية في فرنسا، بل ظهر في أكثر من مناسبة كـ”غطاء” يستخدمه اليمين المتطرف لتبرير حملاته العنصرية، في استغلال مفضوح لهويته الأصلية لإضفاء شرعية زائفة على مزاعم ملفقة ضد الجزائر.
أما المعارضون الجزائريون في الخارج، فقد تحوّلوا في السنوات الأخيرة إلى أدوات تنفيذية مكشوفة تُستخدم لإضفاء طابع داخلي زائف على الحملة الإعلامية الفرنسية ضد الجزائر. هؤلاء لم يعودوا فاعلين مستقلين، ولا حتى أصوات معارضة وطنية ذات مصداقية، بل أصبحوا مجرّد واجهات وظيفية ضمن شبكات تأثير تمتد بين باريس، الرباط، وبعض الدوائر الأمنية والإعلامية الغربية.
من خلال فيديوهات مباشرة على يوتيوب، وبرامج أسبوعية على قنوات إلكترونية ممولة، وصفحات فيسبوك مجهولة الهوية لكنها ممولة إعلانيًا بوضوح، يعيد هؤلاء تدوير نفس الخطاب الذي يصدر من صحف فرنسية معروفة بعدائها للجزائر، مثل Rupture وLe Point. يتم تكرار نفس الادعاءات حول “فساد أبناء الرئيس”، و”هروب الأموال إلى الخارج”، و”تفكك مؤسسات الدولة”، في محاولة ممنهجة لإحداث شرخ نفسي بين المواطن الجزائري والدولة التي ينتمي إليها.
ومن أبرز الأمثلة على هذه الأدوات الإعلامية، يظهر اسم أمير ديزاد، الذي تحوّل إلى ظاهرة افتراضية تقوم على التسريب الموجّه، وبث محتوى تضليلي يصب مباشرة في خدمة الخطاب المعادي للجزائر. وقد تم كشف علاقاته بجهات إعلامية وأمنية فرنسية في أكثر من مناسبة، فضلاً عن استغلاله لمنصاته الرقمية لتشويه رموز الدولة والتحريض على الفوضى.
كما يُعتبر الصحفي السابق محمد سيفاوي من الوجوه البارزة التي استُعملت مرارًا في هذه الحملة. ورغم أنه يقدّم نفسه كمدافع عن “قيم الجمهورية” في فرنسا، إلا أن خطاباته تكشف عداءً دفينًا لكل ما له علاقة بالجزائر الرسمية، خاصة بعد أن افتُضح تورطه في فضيحة تمويل مشبوه من صندوق “ماريان” الفرنسي، الذي خُصّص لمواجهة “الانفصالية الإسلامية”، لكن تقارير رسمية أظهرت أن سيفاوي استغل هذا التمويل لأغراض شخصية، عبر جمعيته “Rebuild” التي لم تقدّم أي أثر ميداني يُذكر. هذا المثال يوضح كيف يتم استخدام “معارضين محترفين” لتبرير تدخلات أجنبية في الشأن الجزائري، تحت ستار الدفاع عن “حرية التعبير”.
ومن النماذج الأخرى أيضًا، بعض الشخصيات التي تُطل عبر قنوات مشبوهة على يوتيوب، وتقدّم نفسها على أنها “مفكرون سياسيون”، بينما كل نشاطها يدور حول إعادة نشر تقارير فرنسية مسمومة، بأسلوب تبسيطي شعبوي يُوجَّه نحو الداخل الجزائري. هؤلاء لا يُقدّمون أي بدائل أو برامج، بل يكتفون بتغذية الشك والريبة، وتضخيم الأحداث الصغيرة لتبدو وكأنها انهيار ممنهج للدولة.
وفي المجمل، يُلاحظ أن هذه الفئة من “المعارضين الرقميين” لا تتحرك بمعزل عن المناخ الإعلامي الفرنسي، بل تتناغم معه بشكل مثير للريبة، خصوصًا في التوقيت، واللغة، ومصادر المعلومات. فهم لا ينتقدون فرنسا، ولا المغرب، ولا الإمارات، بل يخصصون كل طاقاتهم لهدف وحيد: شيطنة النظام الجزائري وتقويض هيبة الدولة ومصداقيتها أمام شعبها وأمام الخارج.
إن ما يقوم به هؤلاء لا يمكن وصفه بالمعارضة البناءة أو الوطنية، بل هو دور وظيفي خاضع لحسابات التمويل والظهور الإعلامي الموسمي، ويخدم أجندات تتعارض تمامًا مع تطلعات الجزائريين في الاستقرار والسيادة والتنمية.
ورغم شراسة الحملة، فإن الجزائر، قيادة وشعبًا، لم تنجرّ وراء الرد العاطفي. فالدولة تواصل بثقة مسارها السيادي، مُعتمدة على سلسلة إصلاحات سياسية واقتصادية بدأت منذ 2019، طالت منظومة العدالة والصفقات العمومية، وأسفرت عن محاسبة العديد من المسؤولين ورجال الأعمال ضمن مسار شفاف غير خاضع لأي ضغوط داخلية أو خارجية.
وفي إطار هذه الحرب الإعلامية، يُعد الإعلام الوطني الاستقصائي أحد أهم أدوات الرد الفعّالة. فحين يتحرك الصحفي الجزائري بدافع المسؤولية الوطنية، ويوثق الحقيقة، ويفنّد الكذب بالحجج والوقائع، يصبح بذلك عنصر حماية للجبهة الداخلية، وسلاحًا ناعمًا في مواجهة الحرب الهجينة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…