خديجة حمدي في ذمة الله … حين ترحل امرأة بحجم وطن
في زحمة الأحداث، يمر خبر الوفاة عادة كأنه خبر عابر. لكنّ رحيل خديجة حمدي، ليس مجرد نهاية حياة، بل غياب لرمزٍ حمل لسنوات صوته، وقلمه، وقلبه لقضية آمن بها حتى آخر العمر: قضية الشعب الصحراوي في نضاله من أجل الكرامة والحرية.
زوجة القائد والمجاهد الراحل محمد عبد العزيز، لم تكن فقط “السيدة الأولى”، بل كانت رفيقة سلاح وصاحبة موقف، صوتاً نسوياً ارتفع في زمن الصمت، وكلمة لم تنكسر رغم حملات التشويه والتضليل، وامرأة ارتبط اسمها بجبهة التحرير كما ارتبط بالمخيمات، بالتعليم كما بالإعلام، وبالنساء كما بالقضية كلها.
نشأت خديجة حمدي في بيئة تشكلت فيها ملامح النضال باكرًا، فكان انخراطها في المسيرة التحررية خياراً طبيعياً لا تكتيكياً. اختارت الكفاح لا من وراء المكاتب، بل من ميادين التربية والتمثيل السياسي والإعلامي، فكانت واحدة من أوائل الأصوات التي رفعت شعار “المرأة ليست فقط ضحية الاحتلال… بل أيضاً شريك في مقاومته”.
عبر المقال، والمنصة، والمشاركة في المؤتمرات الإقليمية والدولية، قدّمت خديجة حمدي نموذج المرأة الصحراوية التي لا تنتظر دورًا من أحد، بل تصنعه بنفسها، بعناد الجبال وصبر الرمال.
رحلت خديجة حمدي بعد مسيرة امتدت لعقود، حملت خلالها عبء المسؤولية العامة، ومقاومة الاستهداف السياسي، والوفاء لنهج زوجها الراحل وقضيتهم المشتركة. لم تكن سنواتها سهلة، لكنها مضت فيها بشجاعة من تعرف أن بعض المسارات لا تقاس بالراحة، بل بالصدق.
لم يكن نبأ رحيلها خبراً في نشرة، بل هزة وجدانية أصابت كل من عرف صوتها، أو قرأ كلماتها، أو تابع حضورها الهادئ والعنيد في آن. فقد الشعب الصحراوي اليوم امرأة كتبت جزءًا من تاريخه بنبرة خاصة، وعاطفة خالصة، لا تميل ولا تنكسر.
وفي الجزائر، حيث تمتد جذور الدعم التاريخي للقضية الصحراوية، عبّر الإعلامي الجزائري مراد سيد، مدير يومية “المؤشر“، عن حزنه لرحيل خديجة حمدي، قائلًا: “خديجة حمدي لم تكن فقط مناضلة من الصحراء، بل كانت صوتًا نسائيًا حرًا تجاوز الجغرافيا، وكانت رمزًا للمرأة التي قاتلت بفكرها وولائها، وبقيت نزيهة رغم كل ما طاولها من حملات مغرضة. باسم أسرة تحرير “المؤشر”، نتقدم بأصدق التعازي إلى عائلتها، وإلى الشعب الصحراوي الصامد.”
هذه الشهادة لا تعبّر عن تقدير فردي فحسب، بل عن إجماع وجداني في المنطقة، بأن ما مثّلته خديجة حمدي يتجاوز الحدود، ويستحق التوثيق في ذاكرة الشعوب.
لا تموت خديجة حمدي اليوم لأن جسدها ووري الثرى. تموت فقط من تُنسى، ومن يرحلون بصمتٍ دون أثر. أما خديجة، فتركت أثرًا لا يُمحى: في أرشيف الثورة، في وجدان المرأة الصحراوية، وفي ذاكرة من آمنوا بعدالة النضال رغم قساوة الطريق. ستبقى كلماتها، مواقفها، وصبرها، مرآة لمرحلة من تاريخ الصحراء الغربية، ومن تاريخ المرأة المناضلة في وطنٍ يُصنع تحت ضغط الزمن والسياسة.
إن رحيل خديجة حمدي ليس خبرًا نُنهي به يوماً، بل هو لحظة تأمل في معاني الوفاء، في كيف يمكن للمرأة أن تتحول من فرد في الظل إلى صورة في الواجهة، من صوت خلفي إلى أحد أعمدة الخطاب الوطني.
في زمنٍ يبحث فيه الناس عن الرموز، تأتي سيرة هذه المرأة لتُذكّرنا أن الرمزية الحقيقية تُصنع بالفعل، بالصبر، وبالصدق. رحم الله خديجة حمدي… امرأة بحجم وطن.
“إنا لله وإنا إليه راجعون”
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…