خطاب تبون يضع النقاط على الحروف
مرة أخرى، يضع الرئيس تبون يده على المرض الجزائري العضال، وهو الإدارة الجزائرية التي أفسدتها سنوات بوتفليقة الفاسدة، وغيّر فيها القيم بحيث أصبحت السرقة والنهب والرشوة عادة بل ومؤشراً للنجاح الاجتماعي.
الإصلاح الذي يقوم به الرئيس وسط غابة الفساد المستشري أصبح يبدو صعباً جداً بدون تفكيك شبكات الفساد التي أسست لها العصابة لمدة 20 سنة. واستشهد الرئيس باللجوء إلى استخدام الفوترة الناقصة بعد سنوات من الفوترة المضخمة للتصدير والاستيراد، وهو فساد جديد آخر يجب محاربته. بل وصفه بأنه يسيء لسمعة الجزائر أكثر مما أساءت إليها ممارسات النظام السابق، في إشارة منه إلى أن العمل على ضرب صورة الجزائر بطرق مختلفة مستمر، وأن التآمر ضدها مستمر.
الرئيس تبون يعرف جيداً أنه كلما اتخذ قراراً لصالح دعم الاقتصاد الوطني، ستتحرك شبكات الفساد غير الوطنية لضربه أو تخريبه، لأن تقوية الاقتصاد الوطني وتطويره لا يرضي من يتربصون بالجزائر. فكلما قويت الجزائر اقتصادياً، ضاعت مصالح الاستعمار الجديد الذي لا يرى الجزائر إلا مجرد سوق لبيع منتجاته، ليضمن رفاهية شعبه على حساب الجزائريين الذين أصبحوا يخربون بيوتهم بأيديهم.
طبعاً، الرئيس يعمل على ترقية جيل جديد ذو أيادٍ نظيفة من أجل تجسيد مشروعه الوطني في بناء الاقتصاد الوطني على أسس متوازنة بين المحروقات والمنتجات التي يمكن تصديرها، بعد أن تلبي الطلب الداخلي. الرئيس شجع وحث المتعاملين على التكتل في تعاونيات لكسر سيطرة فساد الإدارة، وأعلن أمام الإطارات أنهى جهازاً إدارياً كان مكلفاً بتطوير إصدارات ولكنه أصبح جهازاً يعمل عكس مهامه ويستورد من الخارج أيضاً.
ويبدو من خطاب تبون أن الجزائر بحاجة إلى مناضلين مقتنعين بالتحديات وبالأهداف الوطنية على شاكلة الصين وحزبها الشيوعي، الذي يخطط ليل نهار لتطويرها وحمايتها من المخاطر. فهل سيصل تبون إلى نقطة التأسيس لجبهة سياسية وطنية لمواجهة عنجهية و سيطرة الإدارة و تعفنها المستمر و تخلفها؟
خطاب الرئيس مليء بالدروس ويكرس مرة أخرى توجهاته الوطنية ورؤيته لكيفية تطوير الاقتصاد الوطني الذي يجب أن يحقق حاجات المواطنين ويتماشى مع النمو الديمغرافي للبلد. الخطاب الطويل مليء بالأمل في إعادة بناء بلد كاد أن يضيع في لحظة من الزمن بسبب تفشي الفساد. لذا، استخدم تبون لغة التهديد والوعيد ضد الفاسدين.
الرئيس يعطي للقطاع الخاص كل الحرية في النشاط الاقتصادي، ويؤسس للطريقة التي تساعد على الاستثمار عبر المكتب الموحد لتفادي سيطرة الإدارة الفاسدة والمتخلفة، التي لا يهمها الصالح العام ولا التنمية ولا مصير الجزائر وشعبها. الاقتصاد يعتمد على النشاط وحرية المبادرة، كما يقول الرئيس، وفتح كل الأبواب أمام مساهمة القطاع العام من النقل البحري إلى البنوك إلى السياحة. كل القطاعات مفتوحة أمام المبادرة الفردية التي تعمل لصالح التنمية الوطنية. وقطاع السياحة لوحده سيكون بمثابة الكنز الذي سيدر على الجزائر المليارات لو يتم تطويره، لأن إمكانيات السياحة في الجزائر لا مثيل لها.
الجزائر تستطيع أن تؤسس حجة للكاثوليكيين عبر زيارة مآثر القديس أوغسطين، وستجد 1.5 مليار مسيحي يحجون إلى بلاد القديس أوغسطين لمعرفة أين وُلد وأين تربى، مع زيارة كنيسته في عنابة. وإذا اتفقت الجزائر مع الفاتيكان لجلب رفاته، سيكون المزار أكثر جاذبية وفائدة. وطبعاً يتطلب هذا المسعى التحكم في تطور التيار التكفيري الذي نشر الخراب والإرهاب في بلدنا وينتشر اليوم في الجزائر في أوساط الشباب بعدما تم طرده من منبعه في بلدان الشرق وصدّر إلى بلدنا.
الجزائر تملك أول جامعة في العالم، جامعة مداوروش، التي تخرج منها أول أديب في التاريخ البشري، أبولينوس، صاحب رواية “الحمار الذهبي”، كما أن الجزائر تملك الأهرامات موزعة عبر التراب الوطني من تيبازة إلى باتنة مرورا بقسنطينة. الجزائر هي بلد الموحد القديس دونات، المناهض لعقيدة التثليث التي يؤمن بها الكثير من المسيحيين في كندا وأمريكا اللاتينية. يمكن الاستثمار في هذه المواقع سياحياً في الجزائر.
الجزائر قارة تحتوي على آثار قبور الإنسان البدائي في منطقة عين الصفراء برسوماته وأشكاله البدائية، كما أن الجزائر تملك ما لا يملكه بلد آخر من التاريخ والعمران والثقافة إذا تم استغلالها أحسن استغلال.
الرئيس تبون وضع النقاط على الحروف، وإصلاح الإدارة أصبح أمراً حتمياً لأنها عشش فيها الفساد وأصبحت تدمر أي مبادرة لتطوير البلد.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…