‫الرئيسية‬ الأولى دعم الإعلام هو استثمار في مستقبل الجزائر.. من يفسح المجال للأبواق الهدامة؟
الأولى - الوطني - 16 فبراير، 2025

دعم الإعلام هو استثمار في مستقبل الجزائر.. من يفسح المجال للأبواق الهدامة؟

دعم الإعلام هو استثمار في مستقبل الجزائر.. من يفسح المجال للأبواق الهدامة؟
تُعدّ المناعة الإعلامية في الجزائر أحد الأعمدة الأساسية للحفاظ على استقرار الدولة وحمايتها من التأثيرات الخارجية والداخلية التي قد تهدد أمنها وهويتها الثقافية. في هذا السياق، تلعب وسائل الإعلام دورًا محوريًا في تشكيل الرأي العام، ونشر الوعي، وتعزيز الانتماء الوطني. إلا أن هذا الدور الحيوي بات مهددًا في ظل تحديات كبيرة تعيق قدرة الإعلام الوطني على أداء وظيفته بشكل فعال، مما يفتح المجال أمام حملات التضليل والتشويه التي تستهدف البلاد.

إن الأزمة المالية التي تعصف بالإعلام الوطني، والتي تتمثل في تجفيف منابع التمويل وحرمان الصحف الناشئة من الإشهار العمومي، تُعدّ ضربة قاسية لهذا القطاع. هذا الوضع لا يُضعف فقط المؤسسات الإعلامية، بل يترك فراغًا تستغله أطراف مشبوهة لنشر دعايتها الهدامة. في ظل غياب إعلام وطني قوي، يصبح الرأي العام الجزائري عرضة للأخبار المغلوطة والموجهة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الثقافي والسياسي.

ولا يقتصر تأثير هذه الأزمة على الجانب الإعلامي فقط، بل يمتد ليشمل الاقتصاد الوطني. فالإعلام ليس مجرد قطاع اقتصادي، بل هو منصة رئيسية للشباب المبدع الراغب في دخول مجال الصحافة والإعلام. وعندما يُحرم هؤلاء من فرص العمل بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية للإعلام، فإن ذلك يؤدي إلى ضياع طاقاتهم وزيادة معدلات البطالة في صفوف الشباب الجامعيين، مما يفتح الباب أمام استقطابهم من قبل جهات أخرى قد تستغل أوضاعهم لصالح أجنداتها المشبوهة.

إن استمرار السياسات التي تحرم الإعلام من التمويل وتحد من فرصه في التحديث والتطور يُعتبر تهديدًا حقيقيًا للأمن الوطني، إذ إن الإعلام هو خط الدفاع الأول في مواجهة الحملات الإعلامية المعادية التي تستهدف الرأي العام الوطني. فضعف الإعلام الوطني يفتح المجال أمام وسائل الإعلام الأجنبية والمشبوهة التي تسعى للتلاعب بعقول المواطنين وزعزعة استقرار المجتمع. وفي هذا الصدد، كشف وزير الاتصال محمد مزيان أن أكثر من 9000 صحفي عبر العالم يحاولون تشويه صورة الجزائر، وهو تصريح يُظهر حجم التحديات التي تواجهها الدولة في هذا المجال.

لا يمكن فصل هذه الأزمة عن ضرورة إعادة النظر في دور الإعلام الوطني وكيف تطور في العقود الأخيرة. فمنذ الاستقلال، كان الإعلام الجزائري حجر الزاوية في بناء الهوية الوطنية وتعزيز السيادة الثقافية، حيث كان يمثل صوت الشعب في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. إلا أن ظهور منصات الإعلام الرقمي والتطورات العالمية في هذا المجال قد فرض تحديات جديدة. ولضمان استمرارية دور الإعلام الوطني الريادي، من الضروري أن يتبنى الإعلام الجزائري استراتيجيات حديثة تتماشى مع هذه التغيرات، سواء من خلال تبني تقنيات الإعلام الرقمي أو من خلال تفعيل آليات الحماية من التضليل الإعلامي.

لمواجهة هذه التحديات، يجب أن تتبنى السلطات الجزائرية استراتيجيات جديدة لدعم الصحافة والإعلام الوطني، تشمل ضمان توزيع عادل للإشهار العمومي مع تحقيق الشفافية في عملية الدعم المالي، مما يتيح لجميع وسائل الإعلام فرصًا متكافئة للنمو والتطور. كما يجب الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية لتطوير القدرات الإعلامية الوطنية، مما يمكن الصحافة الجزائرية من مواكبة العصر الرقمي.

علاوة على ذلك، يجب على المؤسسات الإعلامية الوطنية تعزيز آليات العمل الصحفي المهني عبر التكوين المتواصل للصحفيين، ومكافحة التضليل الإعلامي الذي يستهدف الجزائر. كما يجب إنشاء مشاريع إعلامية قائمة على الذكاء الاصطناعي والتحليل الرقمي لمواكبة التطورات العالمية في مجال الإعلام، مما يضمن فاعلية أكبر في التصدي للحملات الإعلامية المغرضة.

إن دعم الإعلام الوطني هو استثمار في مستقبل الجزائر، في شبابها، وفي قدرتها على التصدي للتحديات التي قد تطرأ على أمنها الداخلي والخارجي. فتعزيز المناعة الإعلامية يتطلب إرادة سياسية واضحة واستراتيجيات مدروسة لضمان بقاء الإعلام الوطني قويًا ومستقلًا، وقادرًا على مواجهة التحديات التي تهدد استقرار الدولة وهويتها الثقافية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر

يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …