‫الرئيسية‬ الأولى رسالة “وهمية” من ترامب تدّعي دعم “مغربية الصحراء”!
الأولى - الدولي - 3 أغسطس، 2025

رسالة “وهمية” من ترامب تدّعي دعم “مغربية الصحراء”!

رسالة "وهمية" من ترامب تدّعي دعم "مغربية الصحراء"!
تروج الأوساط الرسمية المغربية، مدعومة بأذرعها الإعلامية، لما تصفه برسالة دعم قوية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الملك محمد السادس، أعاد فيها التأكيد على “مغربية الصحراء” وعلى ما يسمى بـ”مبادرة الحكم الذاتي” كحل وحيد للنزاع. وقد استُغلت هذه الرسالة – التي لم يرها أحد، ولم تُنشر على أي موقع رسمي أمريكي – في الدعاية السياسية المحلية، بل قُدمت على أنها انتصار دبلوماسي جديد، بينما في الواقع، لا تعدو أن تكون سوى حلقة إضافية في مسلسل طويل من التزييف والتضليل.

لا وجود لأي وثيقة رسمية أمريكية تُثبت هذه الرسالة. لا البيت الأبيض نشرها، ولا وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت أي بيان بشأنها، ولا حتى الموقع الرسمي لحملة دونالد ترامب أو أي من حساباته الشخصية أشار إليها. كل ما هناك أن وكالة المغرب العربي للأنباء (MAP) نشرت خبرًا يدعي تسلُّم القصر الملكي رسالة من ترامب، ثم أعادت وسائل الإعلام المغربية الموالية، مثل “ميديا24″ و”Le360” و”هسبريس”، نسخ الخبر نفسه حرفيًا دون أي تحقق، ودون تقديم أي نسخة من الرسالة أو حتى صورة منها. الأسوأ أن وسائل الإعلام الدولية التي نقلت الخبر، وعلى رأسها وكالة “رويترز”، أوضحت بوضوح أنها تستند إلى تقارير إعلامية مغربية ومراسليها في الرباط، لا إلى مصدر أمريكي مستقل.

تُعتبر هذه الممارسات شكلًا من أشكال التزوير السياسي المتعمد، حيث يُوظف الخطاب الدبلوماسي المزعوم في معركة داخلية أساسها الضعف البنيوي للنظام المغربي في التعاطي مع ملف الصحراء الغربية على المستوى الدولي. فالواقع أن الإدارة الأمريكية – سواء في عهد ترامب أو بعده – لم تتخذ أي خطوة ملموسة تُترجم ذلك الاعتراف المزعوم إلى سياسة خارجية ثابتة. لا يوجد أي قرار في الأمم المتحدة تغيّر على ضوء إعلان ترامب عام 2020، ولا نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى الداخلة كما كان يُشاع، ولا ضغطت واشنطن على شركائها في أوروبا أو أمريكا اللاتينية لتبنّي الموقف المغربي. بل أكثر من ذلك، صرّحت وزارة الخارجية الأمريكية في أكثر من مناسبة أن موقفها “لم يتغير” وأنها “تدعم مسارًا سياسيًا تحت رعاية الأمم المتحدة”، دون الاعتراف بأي سيادة مغربية.

المغرب يروّج لأوهام دبلوماسية ويغلفها ببريق زائف لخداع الداخل، وإيهام الشعب المغربي بأن العالم يقف إلى جانبه، وأن القضية محسومة لصالحه. لكن الحقيقة أن ملف الصحراء لا يزال موضوعًا مفتوحًا أمام الأمم المتحدة، وأن بعثة المينورسو لا تزال موجودة، وأن الشرعية الدولية تعتبر الصحراء الغربية “إقليمًا غير محكوم ذاتيًا”، في انتظار تقرير المصير. وهذه هي النقطة التي يحرص الإعلام المغربي الرسمي على طمسها: أن القضية لم تُحسم، وأن الموقف الدولي لم يتغير، وأن الشرعية الدولية ليست في صالح الاحتلال.

التضليل المغربي لا يتوقف عند هذه الرسالة المزعومة. بل يمتد إلى صناعة إجماع قسري في الداخل المغربي حول القضية، حيث يُمنع النقاش، وتُخوَّن الآراء المخالفة، وتُشيطَن المواقف التي تطرح حلاً مبنيًا على القانون الدولي. المواطن المغربي لا يسمع سوى الرواية الرسمية، ولا يُسمح له برؤية الحقيقة كما هي. تُستخدم المؤسسات الإعلامية والثقافية والتعليمية لصناعة وعي زائف، يتم فيه اختزال كل من ينتقد السياسات المخزنية في خانة “الانفصال” أو “الخيانة”.

لاحظ متابعون ووسائل إعلام عالمية تكرار ظهور العاهل المغربي محمد السادس في سياقات ومظاهر أثارت تساؤلات حول تناقض الخطاب الرسمي للدولة مع سلوك بعض رموزها. فقد تداولت وسائل إعلام إسبانية وفرنسية صورًا ومشاهد ظهر فيها الملك المغربي بلباس غير مألوف بالنسبة للعرف السياسي التقليدي، ما فتح باب التكهنات والتعليقات المتباينة، خصوصًا في سياق نظام يروّج نفسه كضامن للقيم الإسلامية والرجولة السياسية. بعض هذه التساؤلات طالت مدى انسجام تلك الصورة الشخصية مع الدور الذي يُفترض أن يلعبه قائد دولة في إدارة الشأن العام، والدفاع عن السيادة، وتحمّل المسؤولية أمام الشعب.

وبعيدًا عن الدخول في تفاصيل الحياة الخاصة، فإن ما يلفت الانتباه هو استغلال النظام لكل ما يبدو “حداثيًا ومنفتحًا” حين يخدم مصالحه، وفي الوقت ذاته مسارعته إلى التقارب مع رموز محافظة على المستوى الدولي – مثل دونالد ترامب – في خطاب سياسي يقوم على الانتقائية والانتهازية. هذا التناقض لا يُسقط فقط ما تبقى من انسجام في الصورة الرسمية، بل يكشف حجم الفجوة بين الواقع الذي يعيشه المواطن المغربي، والخطاب الدعائي الذي تُروّج له مؤسسات النظام.

إن إقحام الرموز الدولية في معارك داخلية وهمية، وصناعة بطولات دبلوماسية على أساس رسائل غير منشورة أو مواقف غير موثقة، ما هو إلا محاولة لتثبيت شرعية مهزوزة داخليًا، ومواجهة احتقان اجتماعي لا يُعالَج بالشعارات أو الصور المدروسة، بل بالعدل والكرامة والوضوح.

وبناء على ما سبق، فإن الحديث عن رسالة من ترامب دون دليل هو مجرّد بهتان. وعندما يُروّج لهذا البهتان في الإعلام، ويُقدَّم كوثيقة دبلوماسية حاسمة، دون أن توجد أصلًا، فإننا أمام حالة من التضليل الممنهج والمبني على احتقار وعي المواطن ومحاولة تسطيح القضية السياسية وتحويلها إلى انتصارات وهمية. من يعتمد على الأكاذيب والرسائل الملفقة ليُثبت شرعيته في قضية بحجم الصحراء الغربية، فهو في الواقع لا يملك أي شرعية حقيقية. القضية لا تُحسم بالبلاغات المفبركة ولا برسائل غير منشورة، بل تُحسم بقرارات الشرعية الدولية، التي تضع حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره في صلب المعادلة. وكل ما دون ذلك، مهما كُرر وصدّق في الإعلام المخزني، لا قيمة له أمام الحقائق التاريخية والقانونية والسياسية التي لا تسقط بالتقادم.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

قسنطينة تفقد صوت المالوف… رحيل الفنان أحمد عوابدية بعد مسيرة وفاء للتراث

فقدت مدينة قسنطينة، اليوم الخميس، أحد أبرز الأصوات الحافظة لفن المالوف الأصيل، بوفاة الفنا…