‫الرئيسية‬ الأولى رياض محرز يطالب مزدوجي الجنسية بحسم ولائهم للجزائر
الأولى - رياضة - مقالات - 20 يوليو، 2025

رياض محرز يطالب مزدوجي الجنسية بحسم ولائهم للجزائر

رياض محرز يطالب مزدوجي الجنسية بحسم ولائهم للجزائر
منذ اللحظة التي نقلت فيها وسائل الإعلام تصريحات رياض محرز حول مسألة اللاعبين مزدوجي الجنسية، بدا واضحًا أن نجم المنتخب الجزائري السابق لم يتحدث بدافع الانفعال العابر، بل من موقع لاعب عاش التجربة من الداخل، وخبر طبيعة التردد، والضغوط، والوعود الأوروبية، ووزن القميص الوطني حين تختار ارتداءه بقناعة. محرز، الذي ارتقى من ملاعب مغمورة في فرنسا إلى منصات التتويج في الدوري الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا مع مانشستر سيتي، ثم واصل مسيرته مع الأهلي السعودي، يعرف جيدًا ما يعنيه أن يكون اللاعب أمام مفترق، بلد التكوين والفرص الاحترافية الكبرى من جهة، وبلد الجذور والعاطفة العائلية والذاكرة التاريخية من جهة أخرى. لذلك كان كلامه مباشرًا: إذا شعرت أنك جزائري، تعال الآن. إذا لم تشعر بذلك، فكن صريحًا منذ البداية ولا تماطل.

ما قاله محرز لا يمكن قراءته بمعزل عن تاريخ طويل من العلاقة المعقّدة بين المنتخب الجزائري واللاعبين المولودين أو المتكوّنين في أوروبا. فمنذ عقدين وأكثر، تحوّل “خزان المهجر” إلى رافعة نوعية للمواهب التي أعادت الحياة للمنتخب في محطات مفصلية، أبرزها التأهلان إلى كأس العالم 2010 و2014، حيث برز لاعبو نشأة فرنسية أو بلجيكية أو إنجليزية اختاروا ألوان الجزائر وصنعوا جزءًا من الذاكرة الكروية الحديثة للجمهور. لكن هذه العلاقة حملت دائمًا وجهًا آخر: لاعبين ينتظرون، يترقبون استدعاءً محتملًا من فرنسا للشباب أو الأكابر، أو من بلجيكا أو حتى إسبانيا أحيانًا، ثم يتجهون إلى الجزائر حين تُغلق الأبواب الأوروبية. هذا النمط خلق حساسية لدى الجماهير، وأحيانًا لدى غرف الملابس والاتحاد، بين من “جاء عن قناعة” ومن “وصل متأخرًا”.

محرز حاول في عباراته أن يُنهي منطقة الظلال الأخلاقية تلك. لم يُطالب أحدًا بإثبات دم أو نسب، ولم يهاجم من يختار منتخب بلد ميلاده، بل دعا ببساطة إلى وضوح مبكر يحمي اللاعب والمنتخب معًا. في عالم يزداد احترافية، حيث المسار الدولي قد يغيّر قيمة اللاعب السوقية ومساره التعاقدي، يصبح التوقيت عنصرًا حاسمًا. الانتظار يضرّ، يقول محرز، لأنه يُبقي اللاعب خارج المشروع الفني، ويُربك خطط المدرب، ويخلق توقعات جماهيرية قد تنقلب إلى غضب عند الرفض أو التأخر.

المسألة ليست عاطفية فقط. تحت قيادة المدرب الحالي فلاديمير بيتكوفيتش، يخوض المنتخب مرحلة إعادة تشكيل بعد جيلين متراكمين من النجاحات والإخفاقات (لقب إفريقيا 2019، ثم خروج مبكر 2021، ثم صدمة الإقصاء من مونديال 2022). الجهاز الفني يحتاج قائمة مستقرة، هوية لعب متدرجة، طبقات عمرية متوازنة بين خبرة محرز–سليماني–بن سبعيني من جهة، ومواهب صاعدة من فرنسا وبلجيكا وإنجلترا وأكاديميات محلية من جهة أخرى. التردد الإداري والفني الناجم عن انتظار قرارات لاعبين مزدوجي الجنسية يؤخر البناء التكتيكي ويؤثر على الانسجام. وعندما تقترب الاستحقاقات الكبرى، مثل كأس الأمم الإفريقية 2025 أو تصفيات كأس العالم 2026، يصبح ثمن التأخر مضاعفًا.

البعد النفسي حاضر بقوة. لاعب شاب مولود في ليون أو مرسيليا أو ليل، تلقى تكوينًا فرنسيًا كاملًا، لعب لمنتخبات الفئات الصغرى، وتُغدق عليه أندية أوروبية وعود التطور… كيف يشعر تجاه بلد لم يعش فيه، وربما زاره صيفًا مع العائلة؟ الهوية هنا مركبة، لغة البيت، ذاكرة الوالدين، الحكي عن الثورة، صور كروية لحليلوزيتش وبلماضي، مقابل واقع يومي فرنسي أو بلجيكي خالص. حين يقول محرز “إذا كنت تشعر بأنك جزائري”، فهو يخاطب هذا العمق، الانتماء ليس وثيقة سفر فقط؛ هو استعداد نفسي لحمل ضغط جماهيري مختلف، للعب أحيانًا في أرضيات صعبة، لتحمل انتقالات طويلة داخل القارة، ولمواجهة قراءة إعلامية لا تشبه ما تعوّدت عليه في أوروبا الغربية.

الجدل حول ازدواجية الانتماء يتقاطع أيضًا مع قواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) المتعلقة بتغيير الجنسية الرياضية. تغيّرت اللوائح في الأعوام الأخيرة لتصبح أكثر مرونة، اللاعب يمكنه، ضمن شروط، تبديل المنتخب إذا لم يخض عددًا محددًا من المباريات الرسمية مع المنتخب الأول، أو إذا كانت مشاركاته محدودة في فئات عمرية. هذه المرونة شجعت اتحادات عديدة، منها الجزائر، المغرب، السنغال، ونيجيريا، على فتح قنوات استقطاب مبكرة للمواهب الشابة. لكن المرونة نفسها شجعت لاعبين على “الانتظار التكتيكي”، اللعب للفئات الأوروبية الصغرى، مراقبة الحظوظ مع الأكابر، ثم اتخاذ قرار متأخر. ومن هنا جاء تحذير محرز: “المماطلة قد تضر باللاعب نفسه”، لأن المنافسة على المراكز في المنتخبات الإفريقية صارت أشرس مما يظن.

الجماهير الجزائرية عامل لا يمكن إغفاله. ذاكرة الملعب تحمل حساسية شديدة تجاه مسألة “الولاء”، وقد شاهدنا عبر السنوات كيف يتحول الحب الجارف إلى نقد لاذع عندما يشعر المشجعون بأن اللاعب لم يأتِ إلا اضطرارًا. في المقابل، حين يشعر الجمهور بصدق الانتماء، يصنع اللاعب أسطورة شخصية أسرع مما قد يحلم به في أوروبا. رياض محرز نفسه مثال حي، لاعب لم يكن موعودًا بالنجومية حين استُدعي أول مرة، لكنه حمل القميص بشغف، فحملته الجماهير إلى مكانة أسطورية. الرسالة هنا ضمنية للاعبين الشبان، الجزائر ليست “خيارًا ثانويًا”، بل منصة هوية يمكن أن تعطيك ما لا تمنحك إياه أي منصة أوروبية: شعب بأكمله خلفك.

اقتصاديًا واحترافيًا، الانضمام المبكر للمنتخب قد يرفع قيمة اللاعب. كشّافة الأندية تراقب اللاعب الدولي أكثر من اللاعب الرديف. المشاركة في كأس أمم إفريقيا أو كأس العالم تضع اسم اللاعب في سوق أوسع. حالات متعددة للاعبين أفارقة ارتفعت قيمتهم بعد بطولة قارية ناجحة. إذًا، قرار اختيار الجزائر ليس مجرد مسألة عاطفة وطنية، بل يمكن أن يكون استثمارًا ذكيًا في المسار المهني، شرط أن يكون مسبوقًا بقناعة حتى لا ينكشف اللاعب تحت ضغط المنافسات الإفريقية القاسية.

تصريحات محرز حملت أيضًا صدىً زميليًا حين أشار إلى أنه “مثل إسلام سليماني”، في إيماءة إلى جيل منح المنتخب كل ما لديه من جهد وإصرار. سليماني نفسه رمز لعبور من الأندية المحلية إلى العالمية عبر بوابة المنتخب. استدعاء هذا المثال رسالة، الطريق مفتوح بمزيج من الالتزام والحسم المبكر، لا بالانتظار. وحين يُستدعى اسم سليماني، تُستدعى معه فكرة التضحية، اللحاق بكل معسكر، القتال على كل كرة، تسجيل أهداف مصيرية في تصفيات حارقة. هل اللاعب المزدوج المستعد لهذا النمط من الالتزام؟ هنا مربط الفرس.

لا ينفصل النقاش عن البيئة الدولية المتوترة. الصراع الجيوسياسي، العقوبات، التحولات الاقتصادية، تنقلات اللاعبين إلى دوريات الخليج، إعادة توزيع موازين القوى الكروية بين أوروبا وباقي العالم… كلها عوامل تضغط على قرارات المواهب. لاعب ينشط في أكاديمية أوروبية قد يرى في تمثيل منتخب إفريقي مخاطرة تسويقية، أو بالعكس فرصة لتسريع مسيرته. الاتحاد الجزائري مطالب اليوم بسياسة استباقية: تواصل مبكر مع العائلات، برامج زيارات، دمج ثقافي تدريجي، وضوح في المشروع الفني، وضمانات مهنية (رحلات، تجهيزات، رعاية طبية). الوضوح المؤسسي يُسهل على اللاعب اتخاذ قرار مبكر، ويُقلل من حالات الندم أو الانسحاب.

من جهة أخرى، يحتاج الملف إلى خطاب هادئ حتى لا يتحول إلى مزايدة وطنية تطرد المواهب بدل احتضانها. الاختيار مسار شخصي، ومحرز نفسه عبّر عن ذلك حين قال إن “كل لاعب حر”، لكنه أضاف الشرط الأخلاقي، الصراحة. هذه الثنائية يمكن أن تشكل قاعدة سياسة رسمية، نحن نحترم من يختار فرنسا أو بلجيكا، ونرحب بمن يختار الجزائر، لكننا نطلب وضوحًا مبكرًا حتى نبني منتخبًا مستقرًا.

ومع اقتراب كأس الأمم الإفريقية 2025، حيث تتطلع الجزائر للعودة إلى منصة التتويج، ومع بداية مسار تصفيات كأس العالم 2026 التي ستشهد عددًا أكبر من المقاعد الإفريقية، تبدو النافذة مثالية لإعادة ضبط العلاقة مع المزدوجين. مشروع كروي طويل المدى يستوعب لاعبي الأكاديميات الأوروبية بجوار منتجات مدارس التكوين المحلية سيخلق عمقًا عدديًا ونوعيًا يحمي المنتخب من الدورات المفاجئة في المستوى. محرز، بصراحته، أطلق الشرارة النقاشية؛ على الاتحاد والمدرب والجمهور تحويلها إلى سياسات عملية.

قد لا يستجيب كل لاعب للنداء، وقد يختار البعض مسارًا أوروبيًا مشروعًا، لكن مكسب تصريحات محرز أنها كسرت مجاملة استمرت طويلًا. طرحت السؤال الجوهري، لمن تلعب عندما يأتي وقت الحقيقة؟ الإجابة، أيا كان شكلها، أفضل بكثير من صمت ملتبس يمتد لسنوات. وفي نهاية المطاف، المنتخب الذي يضم لاعبين اختاروه عن اقتناع، ولو كانوا أقل شهرة، غالبًا ما يكون أكثر تماسكًا من منتخب ممتلئ بأسماء لامعة جاءت متأخرة وبقلب نصفه في مكان آخر.

رياض محرز لم يعد يرتدي شارة القائد داخل الملعب، لكنه ما زال يؤدي دور القائد خارجه، يُذكّر، يضغط، يحفّز، ويحمي فكرة أن القميص الوطني ليس مجرد فرصة لعب، بل علاقة ولاء متبادلة بين لاعب وشعب. ومن يستجب اليوم، قد يصبح غدًا جزءًا من فصل جديد في قصة “محاربي الصحراء” التي لم تُكتب فصولها الأخيرة بعد.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…