زيارة بابوية تاريخية مرتقبة إلى الجزائر قبل منتصف 2026
تتجه الأنظار في الأوساط الدبلوماسية والدينية إلى ما يُوصف بتطور لافت في مسار العلاقات بين الجزائر والفاتيكان، مع شروع الفرق المكلفة لدى رئاسة الجمهورية الجزائرية والفاتيكان في ضبط الخطوط العريضة لزيارة بابوية مرتقبة إلى الجزائر، يُرجَّح أن تتم قبل منتصف سنة ألفين وستة وعشرين، في حال استكمال الترتيبات السياسية واللوجستية والبروتوكولية. وتكتسي هذه الزيارة، إن تمت، طابعا تاريخيا بالنظر إلى أنها ستكون الأولى من نوعها في تاريخ الجزائر المستقلة، بما تحمله من دلالات رمزية ودبلوماسية ودينية.
ويأتي هذا الحراك في أعقاب اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بالبابا ليون الرابع عشر في الفاتيكان، بروما، يوم الرابع والعشرين من يوليو ألفين وخمسة وعشرين، وهو لقاء تجاوز المجاملات البروتوكولية المعتادة، وفتح نقاشا معمقا حول مكانة الحوار بين الأديان، ودور الدول المتوسطية في ترقية ثقافة السلم والتعايش، إضافة إلى القضايا الإقليمية ذات البعد الإنساني. هذا اللقاء شكّل، بحسب متابعين، نقطة انطلاق فعلية لمسار تشاوري يرمي إلى ترجمة التقارب السياسي والدبلوماسي إلى حدث ذي بعد رمزي قوي.
وتشير المعطيات المتداولة في الأوساط القريبة من الملف إلى أن الزيارة المرتقبة تُدرَس بعناية فائقة، نظرا لحساسيتها وتعدد أبعادها. فالجزائر، التي لطالما قدمت نفسها كأرض للتعايش الديني وفضاء تاريخي للحضور المسيحي في شمال إفريقيا، تسعى من خلال هذه الزيارة إلى إبراز نموذجها في إدارة التعدد الديني، وترسيخ صورتها كفاعل معتدل في محيط إقليمي مضطرب. في المقابل، ينظر الفاتيكان إلى الجزائر باعتبارها بلدا محوريا في الضفة الجنوبية للمتوسط، يتمتع بثقل تاريخي وروحي خاص، خاصة إذا ما استُحضر الإرث المسيحي العريق المرتبط بأسماء مثل القديس أوغسطين.
وبحسب ما يُتداول، فإن برنامج الزيارة، الذي لا يزال في طور الصياغة، قد يشمل محطات ذات دلالة دينية وثقافية، مع الحرص على احترام خصوصية المجتمع الجزائري وتركيبته. ويُفهم من هذا التوجه أن الطابع الروحي للزيارة سيكون مصحوبا برسائل سياسية غير مباشرة، تركز على قيم الحوار، ورفض منطق الصدام بين الحضارات، والدعوة إلى حلول سلمية للنزاعات، لا سيما في منطقة المتوسط وإفريقيا. كما يُرتقب أن تحظى مسألة الهجرة، والتفاوت التنموي بين الشمال والجنوب، وسبل تعزيز التضامن الدولي، بحيز معتبر في الخطاب المصاحب للزيارة.
من الجانب الجزائري، يُنظر إلى هذه الزيارة المحتملة كفرصة دبلوماسية لتعزيز الحضور الدولي للجزائر خارج الأطر التقليدية، وتكريس سياستها الخارجية القائمة على عدم الانحياز، ودعم السلم، واحترام سيادة الدول. كما أنها تندرج في سياق أوسع تسعى فيه الجزائر إلى تنويع أدواتها الدبلوماسية، عبر توظيف البعد الثقافي والديني كرافعة للقوة الناعمة، دون المساس بثوابتها الدستورية المتعلقة بهوية الدولة وطابعها.
في المقابل، يعي الفاتيكان أن أي زيارة بابوية إلى الجزائر تستوجب تحضيرا دقيقا، ليس فقط من الناحية الأمنية والتنظيمية، بل أيضا من حيث الرسائل التي ستُحمل إلى الرأي العام المحلي والإقليمي. فالرهان، من منظور الفاتيكان، لا يقتصر على حدث بروتوكولي، بل يتعلق بتكريس رؤية عالمية للحوار بين الأديان، في سياق دولي يشهد تصاعدا لخطابات الكراهية والانغلاق.
ورغم الطابع الإيجابي الذي يحيط بالمشاورات الجارية، فإن المصادر نفسها تؤكد أن الإعلان الرسمي عن الزيارة سيظل مرهونا بتقدم الترتيبات وتوافق الطرفين على تفاصيل البرنامج وتوقيته. غير أن مجرد تداول هذا الاحتمال بهذا المستوى من الجدية يعكس، في حد ذاته، تحولا نوعيا في طبيعة العلاقات بين الجزائر والفاتيكان، ويؤشر إلى رغبة مشتركة في نقل هذا التقارب من مستوى اللقاءات الثنائية إلى حدث ذي صدى دولي.
وتبدو الزيارة البابوية المرتقبة، إن تحققت، أكثر من مجرد محطة دبلوماسية عابرة. فهي تحمل أبعادا رمزية تتجاوز حدود الجزائر، وتلامس قضايا الهوية، والتعايش، ودور الدين في بناء السلم، في عالم يبحث عن توازنات جديدة. وبين التحفظ الدبلوماسي ووضوح الإشارات السياسية، يتشكل تدريجيا مسار قد يفضي إلى حدث غير مسبوق في تاريخ الجزائر المعاصر، إذا ما كُتب له أن يرى النور.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
قانون تجريم الاستعمار على طاولة النقاش البرلماني الأحد المقبل
أعلن المجلس الشعبي الوطني عن برمجة عرض مقترح قانون تجريم الاستعمار للمناقشة البرلمانية يوم…









