‫الرئيسية‬ الأولى “سجناء مغاربة في الجزائر”.. قصة من خيال إعلام فقد البوصلة!
الأولى - الوطني - مقالات - ‫‫‫‏‫11 ساعة مضت‬

“سجناء مغاربة في الجزائر”.. قصة من خيال إعلام فقد البوصلة!

الدراما المخزنية الجديدة.. بكاء جماعي على سجناء “مجهولين” في الجزائر
بين الحقيقة الموثقة بالأرقام والبيانات الرسمية، وبين الحكايات التي تصنعها أقلام مأجورة وراء الحدود، تختار الجزائر الصمت الناضج الذي يصدر عن دولة قانون، بينما يختار الإعلام المغربي العويل الممنهج الذي يصدر عن جهاز دعاية يعيش على الأزمات المفتعلة.

فبينما تواصل المؤسسات الجزائرية أداء مهامها وفق منظومة قضائية شفافة، تنشر بانتظام بيانات دقيقة حول سير المؤسسات العقابية وإحصائيات إعادة الإدماج الاجتماعي، تطفو على السطح من جديد رواية مغربية بالية أعيد إخراجها في ثوب “درامي”، تحت عنوان “السجناء المغاربة في الجزائر”، لتصوّر وضعًا خياليًا عن “مأساة إنسانية خفية” و”700 معتقل مغربي” بلا مصدر رسمي، بلا رقم موثّق، وبلا أي دليل قانوني أو وثيقة قضائية.

إن الجزائر، المعروفة بنظامها المؤسسي المنضبط وإدارتها المنهجية لقطاع السجون عبر المديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، لم تُصدر في أي وقت من الأوقات بيانًا يُصنّف السجناء حسب جنسياتهم، لأن القانون الجزائري لا يعرف التمييز بين مواطن وأجنبي أمام العدالة. كل الموقوفين، مهما كانت أصولهم، يُقدَّمون أمام القضاء ضمن المسار القانوني نفسه، وتُضمن لهم حقوق الدفاع والتواصل العائلي والزيارة القنصلية، وفقًا لما تنص عليه اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة 1963. فكيف يمكن بعد كل هذا أن يروّج البعض لرواية مظلومية مفترضة لا أثر لها إلا في خيال كاتبها؟

ولمن يبحث عن الحقيقة لا عن العناوين الشعبوية، تكفي الأرقام الرسمية التي أعلنتها وزارة العدل الجزائرية مؤخرًا لتكشف زيف الادعاءات المغربية، أكثر من 146,950 مكالمة هاتفية جرت بين السجناء وعائلاتهم خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، إلى جانب 1,600 حالة “لمّ شمل” عائلي نُفّذت في إطار سياسة إصلاحية وإنسانية تشرف عليها الدولة الجزائرية. فهل يعقل في ظل هذه السياسة أن يوجد “معتقلون مجهولو المصير” كما تزعم وسائل الإعلام المغربية؟

ولأن الحقائق لا تُخفى على من يطلبها، فقد ذهبت الجزائر أبعد من ذلك في الجانب الإنساني، حيث أعادت خلال عامي 2024 و2025 مئات المواطنين المغاربة إلى بلادهم بعد انتهاء محكومياتهم، في عمليات تسليم رسمية تمت بتنسيق كامل مع الأجهزة القنصلية المغربية على مستوى الحدود الغربية. ففي أبريل 2025، سلّمت السلطات الجزائرية أربعين مغربيًا موقوفين في قضايا تتعلق بالهجرة غير النظامية بعد تمكينهم من وثائق سفر قانونية، كما أعادت قبلها أربعةً وثلاثين شخصًا أنهوا محكومياتهم إلى المغرب، إضافة إلى دفعة أخرى تضم واحدًا وثلاثين مغربيًا، بينهم امرأة، نُقلوا في عملية إنسانية تمت بإشراف مشترك بين الأجهزة الأمنية الجزائرية والبعثة القنصلية المغربية بالجزائر. هذه الوقائع، الموثقة والمعلنة رسميًا، تُسقط بالكامل مزاعم “الغموض” و”انعدام التواصل”، وتبرهن أن الجزائر لا تدير سجونها بالعزلة، بل ضمن رؤية قانونية ودبلوماسية منسجمة مع مبادئ التعاون الإنساني.

ولم تتوقف الجزائر عند ذلك الحدّ، بل واصلت شراكتها مع منظمات الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD) في تنفيذ برامج إعادة الإدماج الاجتماعي للموقوفين، حيث لم تُسجَّل ضدها أي ملاحظات من لجان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أو من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشأن سوء معاملة السجناء، سواء كانوا جزائريين أو أجانب. بل على العكس، تُشيد التقارير الدولية بقدرة الجزائر على المواءمة بين احترام المعايير الحقوقية الدولية ومتطلبات أمنها الوطني، وهو توازن يصعب تحقيقه في كثير من الدول.

وفي المقابل، لم تقدّم الجمعيات المغربية التي تُروّج لهذه الأرقام، ومنها ما يُسمى “شبكة الصحفيين من أجل الهجرة”، أي وثائق رسمية أو قوائم قانونية تتضمّن أسماء أو ملفات المزعومين المعتقلين. جلّ ما يُقدَّم في ندواتها روايات عاطفية يرويها أقارب “مفقودين” لا دليل على دخولهم الأراضي الجزائرية أصلاً. والأدهى أن وزارة الخارجية المغربية لم تصدر بيانًا واحدًا تطالب فيه الجزائر بتوضيحات حول أي حالة بعينها، ما يفضح الطابع الدعائي للحملة برمتها.

إن من يتجاهل الخلفيات السياسية لهذه المسرحية لا يدرك أن الحدود الغربية للجزائر تحوّلت منذ سنوات إلى بؤرة لنشاط إجرامي منظم تشرف عليه مافيات مغربية متخصصة في تهريب البشر والمخدرات والوقود، وهي الشبكات نفسها التي تُغذّي الهجرة غير النظامية وتستغل شباب المغرب في أعمال غير قانونية. ومعظم القضايا التي يتحدث عنها الإعلام المغربي تتعلق بموقوفين تم ضبطهم متلبسين بجرائم تهريب أو تسلل غير شرعي، وفق محاضر قضائية موثقة. هؤلاء ليسوا “ضحايا”، بل متورطون في جرائم يُعاقب عليها القانون المغربي نفسه، فكيف يتحول الجاني إلى ضحية بمجرد عبوره الحدود؟

إن ما تسميه الرباط “دراما إنسانية” ليس سوى محاولة يائسة لتبييض وجه نظام غارق في تناقضاته، بلد يُنتج أكبر كميات من الحشيش في العالم ويتصدر قوائم الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، ثم يتباكى على “ضحايا التهريب” في دول الجوار. إعلامه يُقصي المعارضين ويسجن الصحفيين في الداخل، ثم يتحدث عن حقوق الإنسان في الجزائر. والمفارقة أن هذه “الدراما” تُبثّ من صالونات مكيفة في الرباط، بينما يعيش آلاف المغاربة الحقيقيين على قوارب الموت في البحر المتوسط.

الجزائر ليست في موقع الدفاع ولا في حاجة إلى تبرير سياساتها، فهي دولة قانون ومؤسسات تُدار بمنطق العدالة لا بمنطق المزايدة. سجونها ليست زنازين للانتقام، بل مؤسسات لإعادة التأهيل والإصلاح، ويكفي أنها تُدار وفق معايير إدارية وإنسانية متقدمة تشهد بها المنظمات الدولية. والشعب الجزائري، الذي خاض ثورة حررت قارة بأكملها، لا يحتاج دروسًا في “الإنسانية” من بلدٍ غارق في الازدواجية السياسية ويعيش عقدة التفوق الكاذب.

أما الرقم السحري الذي يتداولونه — 682 معتقلًا — فهو يفضح نفسه قبل أن يُكذَّب. لا وجود له في أي تقرير رسمي صادر عن وزارة العدل المغربية أو بعثتها القنصلية في الجزائر أو عن أي منظمة محايدة. إنه رقم عائم في هواء الدعاية، يُستخدم لتغطية الإخفاق الداخلي ولتحويل الأنظار عن العزلة السياسية والاقتصادية التي يعيشها المغرب في المنطقة.

وفي مقابل كل هذا الضجيج، تواصل الجزائر التزامها الصارم بواجباتها القانونية والإنسانية، وتفتح قنوات الحوار الجادّ لمن يريد الحقيقة لا الإثارة. والذين يتوهمون أن حملات التشويه ستنال من هيبة الدولة الجزائرية، يجهلون أن الجزائر هي التي علّمت القارة معنى السيادة، ودفعت من دمها ثمن الحرية والكرامة، وستبقى كذلك ما دام في هذا الوطن رجال يؤمنون بأن الشرف لا يُقاس بالكلمات بل بالمواقف.

لا دراما في الجزائر، بل قانون. لا مأساة في السجون، بل كرامة. أما الدراما الحقيقية، فهي في إعلامٍ فقد مصداقيته، وشعبٍ يُهاجر من وطنه هربًا من القهر، ثم يُقال له إن الجزائر هي السبب.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…