‫الرئيسية‬ الأولى سيوف الرعب تهدد أمن الجزائريين!
الأولى - الوطني - مقالات - ‫‫‫‏‫4 ساعات مضت‬

سيوف الرعب تهدد أمن الجزائريين!

سيوف الرعب تهدد أمن الجزائريين!
اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر مقطع فيديو يوثّق لحظاتٍ من العنف الهمجي، في مشهد صادمٍ ومروعٍ أعاد إلى الأذهان صور العصور المظلمة، حيث ظهر مجموعة من الشباب يحملون سيوفاً طويلة ويعتدون بوحشية على شاب أعزل، يضربونه ويؤدبونه وفق “قانونهم” الخاص، خارج كل القوانين والأعراف التي يحتكم إليها المجتمع الجزائري.

لم يكن المشهد صادماً فقط من حيث درجة العنف، بل من حيث الجسارة المفرطة التي ظهر بها المعتدون، الذين لم يكتفوا بارتكاب الجريمة بل قاموا بتوثيقها ونشرها عبر الإنترنت بكل فخر وتحدٍّ. وكأننا أمام جيلٍ جديدٍ من المنحرفين الذين وجدوا في الكاميرا وسيلة لعرض بطولاتهم المزيفة، وفي العنف لغة للهيمنة والاستعراض. هذه الظاهرة لم تعد معزولة، إذ باتت تتكرر هنا وهناك في المدن والأحياء، مسببة حالة من الرعب لدى المواطنين، خصوصاً بين الفئات الضعيفة من المجتمع كالأطفال والنساء والمسنين الذين يعيشون تحت وطأة الخوف من أن يجدوا أنفسهم ضحية عشوائية لمثل هذه العصابات.

التحليل الاجتماعي والنفسي لمثل هذه الجرائم يُظهر أن العوامل المسببة معقدة ومتشابكة، تبدأ من تعاطي المخدرات والحبوب المهلوسة، مروراً بغياب الوعي وضعف التربية الأسرية، وصولاً إلى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي التي تحوّل الجريمة إلى مادة ترفيهية. لكن الأخطر من كل ذلك هو أن مرتكبي هذه الجرائم باتوا يتصرفون وكأنهم فوق القانون، غير مكترثين بالعقوبة ولا بخطورة ما يفعلون، بل إن بعضهم يرى في السجن وسيلة للسمعة أو “الشهرة” داخل الأحياء الشعبية. وهنا مكمن الخطر الحقيقي، إذ إن سقوط هيبة الدولة في نظر بعض الشباب، وضعف الردع، يولّد جيلاً جديداً من العنف الحضري الذي يهدد الأمن العام ويزرع الخوف في نفوس المواطنين.

لقد أصبح هذا الواقع المقلق يتطلب تحركاً سريعاً وحاسماً من قبل السلطات، قبل أن تتحول هذه السلوكيات المنفلتة إلى ظاهرة مجتمعية يصعب السيطرة عليها. إن الدولة مطالبة اليوم بمراجعة سياستها العقابية، وتشديد العقوبات على حاملي الأسلحة البيضاء والمتورطين في الاعتداءات، مع منح قوات الأمن الصلاحيات الكاملة لاستخدام القوة القانونية لحماية الأرواح والممتلكات. بعض الدول التي واجهت حالات مشابهة، مثل فرنسا والبرازيل والولايات المتحدة، لجأت إلى تشريعات استثنائية تسمح للأمن بالتدخل السريع، بل حتى باستعمال السلاح الحي في حال كان الاعتداء يهدد حياة المواطنين. والمطلوب ليس فقط الردع بالعقوبة، بل كذلك إصلاح المنظومة السجنية، وجعلها مؤسسة للتأديب لا للراحة، عبر إنشاء مراكز احتجاز خاصة للمجرمين العنيفين، تكون قادرة على ردع أي شخص يفكر في ارتكاب فعل مشابه.

غير أن الخطر لا يكمن فقط في العنف ذاته، بل في الصورة التي ينقلها إلى العالم عن الجزائر. فحين تُنشر هذه المقاطع عبر المنصات الدولية، فإنها تقدم صورة مشوّهة عن مجتمعنا، وتزرع في أذهان الآخرين فكرة أن الجزائر أصبحت مسرحاً للفوضى. وهذا في حد ذاته ينعكس سلباً على السياحة، وعلى ثقة المستثمرين، وحتى على شعور المواطن بالانتماء لوطنه. إن الحفاظ على سمعة البلاد ليس مهمة إعلامية فحسب، بل هو واجب وطني تفرضه مقتضيات الأمن القومي. فبلدٌ يَظهر في العالم كفضاء للعنف والعصابات لا يمكن أن يزدهر اقتصادياً ولا أن يستقر اجتماعياً.

لقد عرفت الجزائر عبر تاريخها كيف تواجه مثل هذه التحديات. ففي سبعينيات القرن الماضي، ومع انتشار الجريمة في العاصمة، اتخذ الرئيس الراحل هواري بومدين قراراً تاريخياً حين كلّف الراحل صالح فيسبا بمهمة استعادة الأمن في العاصمة، فنزل هذا الأخير إلى الشوارع بنفسه، وواجه العصابات في القصبة وجبل الكدية وجسر قسنطينة، وأعاد للجزائريين إحساسهم بالأمان بعد حملة أمنية صارمة استمرت شهوراً. واليوم، وبعد مرور عقود على تلك الحقبة، يبدو أن البلاد في حاجة إلى استعادة نفس الحزم والانضباط، لأن مظاهر التراخي الأمني تُغري المجرمين وتشجعهم على مزيد من التمرد على الدولة.

ما يجري في الشوارع ليس مجرد انفلات عرضي، بل هو مؤشر على تغيرات اجتماعية عميقة. فجيل اليوم يعيش في واقع افتراضي مشوَّه، يتغذى على مقاطع العنف ويعتبرها وسيلة للتعبير عن القوة. ومن هنا، يجب أن تتجه جهود الدولة إلى إصلاح جذري في التربية والثقافة والإعلام. فالوقاية من الجريمة تبدأ في المدرسة والبيت، قبل أن تصل إلى مخافر الشرطة. وعلى المجتمع المدني أن يضطلع بدوره في التوعية والتبليغ، لأن الأمن مسؤولية مشتركة.

لقد باتت الجزائر في مفترق طرق بين أن تستعيد هيبة الدولة وتفرض النظام بقوة القانون، أو أن تستسلم لفوضى الشوارع والعصابات. الخيار الأول يتطلب قرارات شجاعة، وتشريعات جديدة، ودعماً مطلقاً لأجهزة الأمن. أما الخيار الثاني، فهو طريق نحو الفوضى والانهيار. ولا شك أن الجزائريين، الذين ذاقوا مرارة العشرية السوداء، لن يقبلوا بالعودة إلى زمن الخوف والرعب. فالدولة التي انتصرت على الإرهاب قادرة اليوم على القضاء على عنف السيوف إذا تحركت بالحزم اللازم.

إن الوقت ليس للانتظار أو التساهل، بل للعمل السريع والمنسق لإعادة الأمن إلى الشوارع، وترسيخ مبدأ أن هيبة الدولة لا تُساوم. من يرفع السيف في وجه مواطن، يرفع السيف في وجه الجزائر كلها، ومن يعتدي على القانون يعتدي على الوطن. الرد يجب أن يكون حازماً، رادعاً، وعادلاً، حتى تبقى الجزائر وطناً آمناً، تُحترم فيه الدولة، ويعيش فيه المواطن بكرامة وأمان.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

من الانقسام إلى الإبادة… كيف خدمت حركة حماس المشروع الصهيوني؟

تتكرر محاولات لتسويق ما جرى في غزة على أنه «انتصار للمقاومة» بقيادة حركة حماس، رغم أن الوا…