هل تجمد الجزائر ملحقي حقوق الإنسان والتجارة مع الاتحاد الاوروبي؟
تتخذ الأزمة القائمة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بعدين أساسيين، مسألة حقوق الإنسان وحرية التجارة، وكلاهما منصوص عليهما في ملحقين ضمن اتفاق الشراكة الأورو-متوسطي، الذي ينظم العلاقات الثنائية بين الطرفين.
ملحق حقوق الإنسان المرفق بالاتفاقية يمنح الاتحاد الأوروبي صلاحية التدخل في شؤون حقوق الإنسان داخل الجزائر، وكان هذا الملحق في حينه مقبولًا نسبيًا، نظرًا لظروف دولية مختلفة عما نعيشه اليوم. لكن ومع التقلبات العالمية الراهنة، لم يعد بالإمكان الإبقاء على الأمور كما هي. ومن وجهة نظري، آن الأوان للجانب الجزائري أن يجمّد العمل بهذا الملحق، ولعدة أسباب واضحة.
فالتطورات الأخيرة على الساحة الدولية أظهرت بما لا يدع مجالًا للشك أن دول الاتحاد الأوروبي تعتمد رؤى مزدوجة وغير عادلة لمسألة حقوق الإنسان. فهي لم تُدن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، بل تشير بعض التقارير إلى أن الاتحاد الأوروبي يموّل بشكل غير مباشر الجيش الإسرائيلي ويدعمه. وهذا السلوك يتنافى تمامًا مع مفهوم الدفاع عن حقوق الإنسان كما هو منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
إضافة إلى ذلك، لم يُبدِ الاتحاد الأوروبي أي تعاطف مع ضحايا الهجمات الإرهابية في روسيا، والتي تبنّتها أوكرانيا علنًا، بينما يسارع إلى التنديد بروسيا كلما وقعت عمليات تسفر عن ضحايا في الجانب الأوكراني. كما أنه لم يندد يومًا بالانتهاكات العنصرية والفكر النازي الذي يتغلغل في بعض الأوساط الأوكرانية، بل يواصل دعم هذه التوجهات واستغلالها في صراعه مع روسيا، متجاهلًا مقتل أكثر من 14 ألف أوكراني ناطق بالروسية على يد السلطات الأوكرانية.
وفي سوريا، يكشف موقف الاتحاد الأوروبي عن ازدواجية واضحة، إذ دعم تيارات كانت تُصنف سابقًا كجماعات إرهابية، متناسيًا آلاف القتلى والضحايا. أما التعيين الأخير للسيدة كاياك لاش، المعروفة بعدائها لروسيا، على رأس السياسة الخارجية للاتحاد، فهو دليل آخر على انحراف هذا الكيان عن مبادئ الحياد. فقد اشترطت هذه المسؤولة، بشكل علني، أن تكون المساعدات الأوروبية لسوريا مشروطة بطرد الروس من البلاد، وتسير اليوم على نفس النهج مع كل دولة تربطها علاقات متقدمة مع موسكو.
هذا السلوك لا يمثل فقط خرقًا واضحًا لأبسط مبادئ العلاقات الدولية، بل يكشف عن نزعة عنصرية تتنافى جوهريًا مع روح حقوق الإنسان، التي يجب أن تُحترم دون تمييز، بغض النظر عن انتماء الفرد أو النظام السياسي الذي يحكمه. بناءً عليه، فإن استمرار الجزائر في الالتزام بهذا الملحق بات عبثيًا وعديم الجدوى، بل إنه تحوّل إلى أداة تهدد استقرار البلاد وتفتح الباب أمام تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية، وهو ما يستدعي اتخاذ قرار حاسم بتجميد العمل به.
أما ملحق التجارة الخارجية، والذي تم تمريره بإلحاح وبدعم كبير من الجانب الأوروبي، فهو الآخر يستحق مراجعة جذرية وتجميدًا فوريًا، لما ينطوي عليه من تجاوز واضح للسيادة الجزائرية. فبروكسل تعتبر أن قرارات الجزائر المتعلقة بمراقبة الواردات تتعارض مع اتفاق الشراكة، وهي قراءة مغلوطة تمامًا. إذ لم ينص الاتفاق في أي من بنوده على التخلي عن سيادة الدولة أو منعها من ممارسة صلاحياتها الاقتصادية داخل حدودها.
إن جميع العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي تُدار ضمن أطر مؤسساتية، من أبرزها مجلس الشراكة الأورو-متوسطي الجزائري-الأوروبي، وبالتالي، فإن من الطبيعي أن تتم مناقشة القرارات في هذا الإطار، لا أن تُفرض بطريقة استعلائية.
كما أن هذا الملحق التجاري، الذي علمت من سفيرنا السابق في بروكسل أنه تم تمريره تحت ضغط أوروبي مكثف، لم يعد مناسبًا في ضوء التطورات الحالية، ويجب أن يُعلّق العمل به لإتاحة المجال أمام مراجعة شاملة لبنوده، مع تفضيل الصيغة الثنائية في التعاملات التجارية، كما هو حاصل حاليًا مع دول مثل إيطاليا، إسبانيا، وسلوفينيا.
ومن خلال الملاحظات التي تلقاها الطرف الجزائري من المفوضية الأوروبية، يتضح أن بروكسل تتدخل بشكل سافر في الآليات التي تعتمدها الجزائر لاتخاذ قراراتها التجارية، وهو ما يتعارض مع قواعد السوق الحرة، التي تُبنى على أسس الشفافية والمنافسة من خلال الإعلانات ودفاتر الشروط. وهناك إشارات واضحة إلى هيمنة دول بعينها، على غرار فرنسا، على التوجهات الأوروبية لخدمة مصالحها الخاصة.
اليوم، لم تعد الدول الأوروبية تمتلك القرار السيادي في المجال التجاري، بل أصبحت هذه الصلاحية حكرًا على المفوضية الأوروبية، والتي يظهر من سلوكها تجاه الجزائر أنها منحازة لطرف بعينه.
تجميد العمل بملحق حقوق الإنسان لا يعني إطلاقًا أن الجزائر لا تحترم هذه المبادئ، بل لأن الاتحاد الأوروبي لم يعد جهة مؤتمنة على الدفاع عنها، بعد أن بات يكيل بمكيالين. وهذا التحيّز المرفوض أخلاقيًا وإنسانيًا لا يتماشى لا مع مبادئ الجزائر ولا مع تاريخها النضالي.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…