‫الرئيسية‬ الأولى صاروخ “بوريفيستنيك” النووي.. روسيا ترعب أمريكا والغرب !
الأولى - الدولي - ‫‫‫‏‫أسبوع واحد مضت‬

صاروخ “بوريفيستنيك” النووي.. روسيا ترعب أمريكا والغرب !

صاروخ “بوريفيستنيك” النووي.. روسيا ترعب أمريكا والغرب !
أعلنت روسيا أخيرًا عن نجاح تجربة صاروخ كروز يعمل بالدفع النووي، وتقدّمه باعتباره نقلة نوعية في موازين الردع الاستراتيجي. تقول موسكو إن الصاروخ، الذي يحمل اسم “بوريفيستنيك”، قطع 14 ألف كيلومتر في رحلة طيران متواصلة استغرقت 15 ساعة، ما يعزّز فكرة “المدى شبه غير المحدود” التي التصقت بالمشروع منذ الكشف عنه أول مرة.

وبحسب الرواية الروسية، صُمم الصاروخ للتحليق على ارتفاعات منخفضة، مع اتباع مسارات متعرجة وطويلة تتيح له المرور عبر ممرات جوية منخفضة الكثافة الرادارية، وتجاوز مظلات الدفاع الجوي، بل والاقتراب من أهداف بعيدة عبر اتجاهات غير متوقعة. غير أن هذه الصورة — وإن كانت منسجمة مع فلسفة السلاح — تظلّ حتى الآن رواية روسية غير مؤكدة من أي جهة قياس مستقلة. كما أن سجل المشروع نفسه حافل بالإخفاقات، أبرزها حادث الانفجار المميت في نيونوكسا عام 2019، الذي ذكّر العالم بأن تطبيق الدفع النووي على صواريخ كروز يظلّ محفوفاً بتعقيدات هندسية ومخاطر إشعاعية جسيمة.

نجاح تجربة واحدة لا يبدّل كل أسئلة الجدوى، لكنه بلا شك يعيد ترتيب الحسابات. فالدفع النووي، نظريًا، يسعى إلى حلّ معضلة الوقود والمدى: مفاعل نووي مصغّر يمد الصاروخ بالطاقة لفترات طويلة، ما يسمح بالتحليق لساعات عديدة والتلاعب بالمسارات والارتفاعات. وإذا ما تحولت هذه الفكرة إلى قدرة عملياتية موثوقة، فستربك منظومات الإنذار المبكر الغربية، التي صُممت أساسًا لتتبع الصواريخ الباليستية الشاهقة والساخنة، لا صواريخ كروز المنخفضة البصمة الحرارية والرادارية. ومع ذلك، يحذّر خبراء غربيون من المبالغة في التصورات الروسية؛ فالرصد لا يعتمد على الأشعة تحت الحمراء وحدها، بل على شبكات رادارية متعددة الطبقات ووسائط فضائية ومنصات جوية وبحرية قادرة على التقاط أنماط السرعة والارتفاع أو حتى البصمة الكهرومغناطيسية للصاروخ. وباختصار، “الاختفاء المطلق” لا يعدو أن يكون ادعاء دعائي أكثر منه حقيقة فيزيائية، بينما يظلّ خفض قابلية الرصد هدفًا تقنيًا مشروعًا لكنه لا يمنح “حصانة مطلقة” من الاعتراض.

في المقابل، يصعب الجزم بأن “بوريفيستنيك” قادر فعلاً على الالتفاف حول الأرض مراراً كما توحي بعض الخطابات الروسية. فذلك احتمال مفاهيمي أكثر من كونه واقعة عملياتية، يعتمد في جوهره على موثوقية المفاعل النووي، وقدرة نظام الدفع على إدارة الحرارة، ودقة منظومة التوجيه والملاحة لمسافات قارية تحت احتمالات التشويش والحرب الإلكترونية. أما الادعاء بأن حرارة عادم المحرك “قليلة لدرجة لا تُرصد”، فيحتاج أيضاً إلى تحفّظ: فالدفع النووي قد يقلل التوقيع الحراري مقارنة بالصواريخ التقليدية، لكنه لا يلغيه تماماً، كما لا يمنع اكتشاف الصاروخ عبر سلاسل الكشف المتعددة الحساسية.

أما الحديث عن أن اعتراض الصاروخ سيُحدث “كارثة نووية مضاعفة”، فهو بدوره مبالغ فيه. نعم، نظرياً قد يؤدي إسقاط منصة تحمل مفاعلاً نووياً مصغّراً ورأساً حربياً إلى خطر إشعاعي مضاعف، لكن طبيعة هذا الخطر تتوقف على تصميم المفاعل، نوع الوقود المستخدم، ووسائل الإطفاء الآمن. ومع أن حوادث تسرب إشعاعي سجلت تاريخياً في أنظمة بحرية وفضائية نووية، إلا أن تعميم “الكارثة الحتمية” يظلّ غير دقيق علمياً ما لم تُكشف تفاصيل المنظومة الروسية التي تبقى سرّاً عسكرياً محكماً.

على المستوى الاستراتيجي، تستخدم موسكو إعلان النجاح كرسالة ردع مزدوجة: داخليًا لترسيخ صورة “التفوّق التكنولوجي الروسي”، وخارجيًا للإيحاء بأن منظومات الدفاع الغربية يمكن التحايل عليها، خصوصاً بعد تدريباتها النووية الثلاثية الأخيرة. ومع ذلك، يرى محللون في الغرب أن القدرات التي يُفترض أن يمنحها “بوريفيستنيك” — أي تجاوز الدفاعات وضرب العمق — ليست مختلفة جوهرياً عن القدرات الموجودة في الترسانة الروسية، مثل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والمنصات الفرط صوتية، والغواصات النووية المسلحة. ويضيف هؤلاء أن الكلفة التشغيلية والمخاطر البيئية تجعل من هذا الصاروخ أداة ضغط سياسية ونفسية أكثر منها سلاح انتشار واسع.

ومع ذلك، إذا تأكدت التجربة عبر مؤشرات استخبارية مستقلة في الأسابيع المقبلة، فقد تضطر منظومات الإنذار المبكر في حلف الناتو إلى مراجعة بعض عقائدها الدفاعية وتحديث شبكات الرصد والتحليل، تحسبًا لمرحلة جديدة في سباق الردع النووي. فحتى لو كان “بوريفيستنيك” لا يزال سلاحًا تجريبيًا، فإن مجرد نجاحه في الطيران لمسافة كهذه كفيل بإعادة تسخين الحرب الباردة… لكن بوقود نووي هذه المرة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الحكم الذاتي… الانتحار المبرمج لـ”مملكة الليوطي”

شرح وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، في لقاء متلفز، كل حيثيات قرار مجلس الأمن،…