‫الرئيسية‬ في الواجهة صعود “التجمع الوطني” سيدفع فرنسا إلى حافة الهاوية
في الواجهة - مقالات - 29 يونيو، 2024

صعود “التجمع الوطني” سيدفع فرنسا إلى حافة الهاوية

صعود "التجمع الوطني" سيدفع فرنسا إلى حافة الهاوية
وفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها إيبسوس-لوموند ونُشرت في 27 يونيو، يحتل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف صدارة الجولة الأولى من الانتخابات بنسبة 36% من الأصوات، بينما تأتي الجبهة الشعبية الجديدة في المركز الثاني بنسبة 29%، ومعسكر الرئيس في المركز الثالث بنسبة 19%. احتمال وصول حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبين إلى السلطة يثير تساؤلات ومخاوف حول مستقبل العلاقات الفرنسية الجزائرية، حيث يتوقع المحللون أن هذا السيناريو قد يؤدي إلى توترات كبيرة، مما يجعل الجالية الجزائرية في فرنسا الخاسر الأكبر. ولكن ما الذي ستخسره فرنسا أيضًا إذا تمكن اليمين المتطرف من الحكم؟
انهيار الاقتصاد الفرنسي

سيصبح ملف المهاجرين الجزائريين والهجرة أولوية فورية لحزب التجمع الوطني. مارين لوبين، ابنة ضابط المظليين في فترة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، اقترحت في أبريل 2022 خلال حملتها الانتخابية الرئاسية “معالجة هذه الأمور المزعجة فورًا”. وترفض الجزائر إعادة قبول مواطنيها الذين يواجهون أمرًا بمغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF). يعد التجمع الوطني بالتصعيد حول هذا الموضوع، وسيتم ربط منح التأشيرات لفرنسا بتعاون كامل من الجزائر في إصدار الوثائق القنصلية.

تنفيذ سياسات التضييق على الجالية الجزائرية سيزيد من الميزانية المخصصة للشرطة والعمليات الإدارية. تقديرات وزارة الداخلية الفرنسية تشير إلى أن ترحيل مهاجر واحد يكلف الدولة حوالي 10 آلاف يورو. إذا تم ترحيل 100 ألف جزائري، فقد تصل التكلفة إلى مليار يورو.

ووفقًا لأرقام المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (INSEE)، هناك حوالي 1.7 مليون جزائري يقيمون في فرنسا دون حساب مزدوجي الجنسية. يمثل العمال المهاجرون جزءًا كبيرًا من اليد العاملة في قطاعات مثل البناء والخدمات والرعاية الصحية. على سبيل المثال، حوالي 12% من العمال في قطاع البناء هم مهاجرون. أي تضييق على الجالية الجزائرية قد يؤدي إلى نقص في اليد العاملة في هذه القطاعات، مما قد يتسبب في تباطؤ المشاريع وزيادة كلفتها.

تُساهم الجالية الجزائرية في الاقتصاد الفرنسي عبر الاستهلاك، مما يؤثر على ارتفاع الطلب على السلع والخدمات. تشير الدراسات إلى أن المهاجرين يساهمون بحوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي (PIB) في فرنسا. أي تراجع في أعدادهم سيؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد ويعمق الأزمة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الجالية الجزائرية دورًا في تعزيز العلاقات التجارية بين فرنسا والجزائر. التضييق عليها سيؤثر سلبًا على هذه العلاقات التجارية، مما يؤدي إلى تراجع في الصادرات والواردات بين البلدين.

التأثير على العلاقات الاقتصادية

تعتبر الجزائر ثاني أكبر سوق للصادرات الفرنسية في إفريقيا لعام 2023. وفقًا لبيانات بنك فرنسا، بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الفرنسية في الجزائر 2.4 مليار يورو في عام 2022، مما جعل فرنسا ثالث أكبر مستثمر في الجزائر بعد الولايات المتحدة وإيطاليا. تعد العلاقات التجارية بين فرنسا والجزائر من الركائز الأساسية للتعاون بين البلدين. في عام 2023، سجلت التبادلات التجارية بين البلدين ارتفاعًا بنسبة 5.3% لتصل إلى 11.8 مليار يورو.

من المتوقع أن يؤدي وصول حزب التجمع الوطني إلى السلطة إلى توترات قد تؤثر سلبًا على هذه العلاقات الاقتصادية الحيوية. العقوبات التجارية والقيود على الاستثمارات قد تضر بالشركات الفرنسية التي تعتمد على السوق الجزائرية وتقلل من حجم الاستثمارات الثنائية.

وفي ظل أزمة التزود بالطاقة، يجد الفرنسيون أنفسهم في مأزق تقريبًا بسبب استنفاد مخزوناتهم من الغاز، ومن الضروري أن يجدوا مزودين بديلين. فالجزائر تورد 8% من احتياجات فرنسا من الغاز. تقليل استخدام التدفئة لتوفير استهلاك الغاز لم يعد سيناريو مستبعدًا، والخبراء يأملون في شتاء دافئ لتقليل الاستهلاك.

خسارة شريك استراتيجي

تلعب فرنسا دورًا رئيسيًا في شمال إفريقيا، وتعد الجزائر شريكًا استراتيجيًا في المنطقة. توتر العلاقات مع الجزائر قد يؤدي إلى إضعاف قدرة فرنسا على التأثير في القضايا الإقليمية مثل مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني والاقتصادي. هذا قد يفتح الباب أمام قوى أخرى لتعزيز نفوذها في المنطقة على حساب فرنسا.

التأثير على المجتمع الفرنسي

سياسات اليمين المتطرف قد تؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية داخل فرنسا نفسها. المجتمع الفرنسي متنوع ومتعدد الثقافات، وأي سياسات تمييزية قد تؤدي إلى انقسامات داخلية وتزيد من العنف والاضطرابات الاجتماعية. التعامل بعدوانية مع الجاليات المهاجرة قد يعزز من الشعور بالظلم والتمييز، مما يهدد الوحدة الوطنية والسلام الجماعي في فرنسا.

الخوف الأوروبي

تتابع الدول الأوروبية عن كثب الاضطرابات السياسية في فرنسا، وتخشى من احتمال وصول اليمين المتطرف إلى السلطة بعد الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية. ألمانيا، التي صُدمت من صعود حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، تتوقع أن وصول حزب مشكك في الاتحاد الأوروبي إلى السلطة قد يغير من ديناميكيات المحور الفرنسي-الألماني في الاتحاد الأوروبي. في المملكة المتحدة، تُسمع أصوات السخرية مما يحدث في فرنسا، لكن القلق واضح أيضًا. تتوقع وسائل الإعلام هزيمة معسكر ماكرون، وتقارن مقامرة إيمانويل ماكرون بما فعله ديفيد كاميرون عندما قرر تنظيم الاستفتاء على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

وصول حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبين إلى السلطة قد يحمل معه العديد من التحديات والخسائر لفرنسا، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. العلاقات مع الجزائر قد تشهد توترات كبيرة، خاصة وأن القيادة الحالية للجزائر حازمة في ردها ضد أي دولة تخل بالتزاماتها مع الجزائر أو تبدي أي عدوانية ضدها أو ضد مواطنيها.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر

يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …