‫الرئيسية‬ الأولى عقوبة الإعدام في قانون المخدرات.. الحاجة إلى التنفيذ لا إلى النصوص فقط
الأولى - الوطني - مقالات - 2 مايو، 2025

عقوبة الإعدام في قانون المخدرات.. الحاجة إلى التنفيذ لا إلى النصوص فقط

عقوبة الإعدام في قانون المخدرات.. الحاجة إلى التنفيذ لا إلى النصوص فقط
اقترح وزير العدل تعديل القوانين المتعلقة بالمتاجرة بالمخدرات، عبر إدراج عقوبة الإعدام ضد المتورطين في ترويج هذه الآفة. وبطبيعة الحال، لا يمكن لعاقل أن يعارض من حيث المبدأ هذا التوجه الرادع، غير أن الإشكال لا يكمن في غياب هذه العقوبة في المنظومة القانونية الجزائرية، بل في تجميد تنفيذها منذ سنوات، وهو ما جعلها بلا أثر ردعي فعلي.

فقرار توقيف تنفيذ حكم الإعدام صدر في عهد الرئيس الراحل علي كافي، وذلك عقب تنفيذ العقوبة في مجموعة من الإرهابيين الذين فجّروا مطار هواري بومدين. وقد تم تنفيذ الإعدام في نصفهم تقريبًا، وكان عددهم يقارب 15 شخصًا. ثم جاء التجميد في اللحظة التي كان يُفترض فيها تنفيذ الحكم على أحد أبناء المجاهدين البارزين، صديق الرئيس آنذاك، ما طرح تساؤلات سياسية وأخلاقية ظلت قائمة إلى اليوم.

وبالتالي، فإن إدراج حكم الإعدام في القانون، كما جاء في مقترح وزير العدل، لن يغير من الواقع شيئًا طالما لم يُتخذ قرار سياسي جريء برفع التجميد عن تنفيذ هذه العقوبة. فحكم الإعدام الذي لا يُنفّذ، يتحوّل تلقائيًا إلى سجن مؤبد، دون أن يحقق الأثر الردعي المطلوب. والوزير يعلم جيدًا أن الفرق شاسع بين العقوبتين من حيث التأثير على المجرمين.

لقد دخلت المخدرات، وخاصة المصنعة كيميائيًا، مرحلة بالغة الخطورة تهدد الأمن القومي، وتستهدف الشباب الجزائري بالإبادة الجماعية البطيئة. فقد أصبحت تُنتَج في مخابر علمية متطورة، تديرها شبكات دولية تُشرف عليها أجهزة استخبارات أجنبية، وتُستخدم في تهريبها أحدث الوسائل، كما شاهدنا مؤخرًا في إسبانيا التي كشفت غواصات آلية موجهة عن بُعد، تُستخدم لنقل المخدرات، وربما نُفاجأ قريبًا باستخدام طائرات مسيّرة (درون) لهذا الغرض عبر الحدود.

تاريخيًا، نعلم أن المخدرات كانت سلاحًا استعماريًا منذ حرب الأفيون في الصين، التي أشعلتها بريطانيا عقب إقصائها من التجارة الصينية، فقامت بزراعة آلاف الهكتارات من الأفيون في مستعمرتها الهند، ثم سرّبته إلى الصين في محاولة لإخضاعها من الداخل. وكادت الصين أن تنهار، لولا أنها تفطنت للمخطط، وخاضت “حرب الأفيون” التي أفضت في النهاية إلى القضاء على هذه الآفة.

أما اليوم، فإن المخدرات الاصطناعية أخطر بأضعاف، لأنها تُسبّب الإدمان من أول تجربة، وتؤدي إلى تدمير الصحة العقلية والنفسية، وقد تدفع المدمن إلى الاعتداء على أقرب الناس إليه، بمن فيهم والداه.

والأسوأ من ذلك، أن قضايا عديدة كشفت تورط محامين في المتاجرة بالمخدرات، منهم من كان ينقلها للمساجين مستغلًا وظيفته القانونية، وهي فضائح تستدعي معالجة حازمة وقانونًا لا يرحم.

أما عن دور رجال الدين، فمن غير المقبول أن يستمر التحذير من الخمر، بينما يُهمَل تحريم المخدرات، بل والأسوأ أن بعض الأولياء يتستّرون على أبنائهم، أو يُسهمون بطرق ملتوية في إدخال المخدرات إليهم أثناء قضاء عقوباتهم في السجن.

هذه الآفة تحولت إلى حرب حقيقية موجهة ضد الجزائر، هدفها الأساسي هو تدمير شبابها. وللأسف، ظهرت مؤشرات مقلقة عن تورط أبناء بعض المسؤولين في التغطية على شبكات الترويج، ما يتطلب وقفة صارمة. وأتذكر في هذا السياق الوزير الذي مكّن ابنه من استعمال سيارة الوزارة لنقل الكوكايين من غرب البلاد، قبل أن يُفتضح أمره ويُسجن، ويُقال والده من منصبه.

كما أُقيل وزير آخر، بعدما تداولت وسائل الإعلام خبرًا عن نوبة خطيرة أصابت ابنه بسبب تعاطي مفرط للكوكايين.

إنه إجرام منظم يتجاوز الأفراد، ويهدد مستقبل الوطن. وإذا لم تتحرك الدولة بكل أجهزتها وبمنتهى الصرامة، فقد نجد أنفسنا أمام جيل مدمَّر ومجتمع مفكك. ولهذا، فإن العودة إلى تنفيذ حكم الإعدام فعليًا، في الجرائم المرتبطة بالمخدرات، قد يكون ضرورة وطنية قبل أن يفوت الأوان.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…