‫الرئيسية‬ الأولى عندما تختلط الأجندات… وتسقط الأقنعة: أزمة مفتعلة بين الجزائر ومالي أم استهداف إقليمي؟
الأولى - الوطني - مقالات - 22 مايو، 2025

عندما تختلط الأجندات… وتسقط الأقنعة: أزمة مفتعلة بين الجزائر ومالي أم استهداف إقليمي؟

عندما تختلط الأجندات... وتسقط الأقنعة: أزمة مفتعلة بين الجزائر ومالي أم استهداف إقليمي؟
في وقتٍ تتوالى فيه التصعيدات غير المبررة من بعض العواصم الإفريقية ضد الجزائر، وتحديدًا من باماكو، يظهر أن ما يُسمى بأزمة دبلوماسية بين الجزائر ومالي ليس سوى واجهة لأجندات إقليمية ودولية متشابكة، تعمل منذ أشهر على تطويق الدور الجزائري في الساحل، واستبعاده من ترتيبات ما بعد “بركان”.

بين تقارير استخباراتية، وتحركات دبلوماسية مريبة، وصفقات أمنية “ناعمة”، تُرسم خارطة جديدة للنفوذ في الساحل الإفريقي، لا تُخفي تورط أطراف متعددة، الكيان الصهيوني، الإمارات، المغرب، وأخيرًا فرنسا، في محاولة لإقصاء الجزائر، أو على الأقل تحجيمها. لكن الجزائر لا تُقايض على سيادتها، ولا تسمح بتحويل استقرارها إلى ورقة في لعبة الأمم.

منذ تطبيع المغرب لعلاقاته مع الكيان الصهيوني، تسارعت خطوات “إسرائيل” نحو إفريقيا، خصوصًا في مناطق النفوذ الجزائري. في مالي والنيجر، دخلت شركات أمنية “إسرائيلية” مثل MER Group وAGT International على الخط، عبر تقديم خدمات تكنولوجية في مجالات المراقبة، تأمين الحدود، والحماية السيبرانية.

في 2023، كشفت مجلة Africa Intelligence عن تعاقد باماكو مع شركة “إسرائيلية” لتطوير نظام مراقبة مدنية، بدعم من مستشارين عسكريين سابقين في الجيش الإسرائيلي، وهو ما يتقاطع مع تقارير أخرى تتحدث عن وجود خبراء إسرائيليين في مقر الاستخبارات المالية بباماكو.

لم يعد هناك شك في أن الكيان الصهيوني يُوظف ما يُسمى بـ“محاربة الإرهاب” لفرض حضوره، وتأمين نفوذ استخباراتي يمكّنه من مراقبة تحركات الجزائر، وخنق حضورها الاستراتيجي في شمال مالي.

تتحرك الإمارات في الساحل الإفريقي تحت غطاء “التنمية والاستثمار”، لكنها في الواقع تسعى لفرض ممر جيوسياسي بديل يربط غرب إفريقيا بالخليج، بعيدًا عن الجزائر. فبعد توقيعها لاتفاقيات استراتيجية مع النيجر لتطوير مستودعات لوجستية في نيامي (Reuters، 2024)، تسعى أبوظبي لخلق ممر بري من نيامي إلى موانئ المحيط الأطلسي.

هذا التحرك يتقاطع مع مصالح اقتصادية حساسة، أبرزها أنبوب الغاز النيجيري-الجزائري (Trans-Saharan Pipeline)، حيث تُفضّل الإمارات ربط السوق النيجيري بمرافئها أو بموانئ غرب إفريقيا التي تسيطر عليها شركاتها.

ولا يخفى أن تحركات أبوظبي في مالي جاءت مباشرة بعد قطع الجزائر لتعاونها مع باماكو، ما يطرح تساؤلات عن طبيعة التنسيق الإماراتي المالي، ومدى استغلال لحظة القطيعة الجزائرية لفرض بدائل في التمويل واللوجستيك، ذات طابع استراتيجي.

المغرب ليس غريبًا عن مشاريع تقويض النفوذ الجزائري في الساحل. منذ سنوات، عملت الرباط على اختراق مناطق نفوذ الجزائر عبر “الزوايا الصوفية”، وعبر دعم ما يُسمى بالدبلوماسية الدينية، لكن الجديد هو دخول المغرب في تنسيق ثلاثي غير معلن مع “إسرائيل” ومالي.

في تقرير نشرته منصة Le360 Afrique سنة 2023، تم الحديث عن لقاءات ثلاثية في أبيدجان، عاصمة ساحل العاج، شارك فيها ممثلون مغاربة وماليون و”إسرائيليون”، تم خلالها بحث “التعاون الأمني والاستخباراتي في الساحل”. الهدف غير المعلن، تحييد الجزائر وتطويق دورها التاريخي.

كما أن المغرب، الذي يحتضن عددًا من المنصات الإعلامية الموجهة للمنطقة، يُغذي باستمرار خطابًا مناهضًا للجزائر، ويستثمر في تضخيم الخلافات بين الجزائر وبعض دول الساحل، خاصة مالي والنيجر.

فرنسا، رغم انسحابها العسكري الظاهري من مالي بعد إنهاء عملية “بركان”، إلا أنها لم تغادر الساحل فعليًا. فقد تحوّلت إلى ما يُسمى الاختراق المدني-الاستخباراتي، حيث تواصل باريس دعم عشرات المنظمات غير الحكومية، والمراكز الثقافية، والمبادرات الأكاديمية في مالي والنيجر.

في تقرير نشرته France 24 في 2024، أُشير إلى أن باريس تموّل شبكات مدنية داخل باماكو تتبنى مواقف عدائية تجاه الجزائر، وتُروج لفكرة أن “الجزائر فاعل غير نزيه في ملف السلام”. الهدف من هذه الشبكات ليس التنمية، بل إعادة تدوير النفوذ الفرنسي، وتوجيه الرأي العام بعيدًا عن فشل باريس الأمني.

كما أن المدرسة الأمنية الفرنسية في السنغال لا تزال تستقطب ضباطًا من الساحل، وتُدرّبهم ضمن مناهج “الاستقلال التكتيكي”، وهي تسمية ناعمة لرفض التعاون مع الجزائر، وتفضيل محاور أخرى.

وسط هذه الفوضى الإقليمية المتشابكة، تبقى الجزائر الفاعل السيادي الوحيد في الساحل الذي لا يقايض، ولا يبيع قراره، ولا يستجدي دورًا.

الجزائر لم تُغلق الباب في وجه مالي، لكنها طالبت فقط باحترام مبدأ السيادة، ورفض الإملاءات الخارجية. وحين انتهكت طائرة مسيرة أجواءها في مارس 2025، ردت بحزم ودون تردد، دفاعًا عن أمنها، لا طمعًا في السيطرة.

كما أن الجزائر، وخلافًا لكل مناورات المال والسلاح، تُفضل دائمًا الحلول السياسية المستدامة، وتُؤمن بأن استقرار الساحل لا يمكن أن يُبنى إلا على الثقة والتكامل، لا على العمالة والاستخبارات.

التحالف غير المعلن بين إسرائيل، والإمارات، والمغرب، وفرنسا، لمحاولة تقليص الدور الجزائري في الساحل، لن ينجح. ليس لأن الجزائر عصية على الحصار فقط، بل لأن الشعوب الإفريقية نفسها تدرك أن الجزائر، بتاريخها، ونضالها، واستقلالية قرارها، هي الضامن الحقيقي لاستقرار الساحل.

من يعتقد أن الأزمة مع مالي عابرة، أو ظرفية، لم يفهم بعد أن الجزائر تواجه اليوم حربًا ناعمة متعددة الجبهات، لكنها تردّ عليها بـ”الهدوء السيادي”، دون أن تتنازل عن أي شبر، أو تخضع لأي ضغوط.

وستبقى الجزائر، رغم كل المؤامرات، قلب إفريقيا النابض بالعقلانية، ومفتاح الحلول لا الأزمات.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…