عندما يصبح الأصل جريمة.. هكذا يُفترى على الجزائريين في أوروبا
يجد أفراد الجالية الجزائرية أنفسهم،مرة أخرى، ضحايا لحملة جديدة من التعميمات المجحفة في وسائل الإعلام الفرنسية والإسبانية، حيث تتكرر محاولات التشويه وتلفيق التهم دون أدلة، ضمن نمط إعلامي مقلق أصبح مألوفًا. الحادثة الأخيرة التي شهدتها مدينة برشلونة الإسبانية تسلط الضوء بوضوح على هذه الانحرافات، بعدما سارعت بعض المنصات الإعلامية إلى اتهام جزائريين بالضلوع في جريمة سرقة، ليتبيّن لاحقًا أن الجاني الحقيقي مغربي، وله سجل سوابق العدلية حافل.
وقعت الواقعة يوم الثلاثاء في منطقة “أفينيدا دي لا كاتدرال”، الواقعة وسط “سيوتات فييا”، أحد أشهر الأحياء السياحية في برشلونة. وخلال تصويره تقريرًا صحفيًا متعلقًا بحفل زفاف، تعرض مصور آسيوي لهجوم عنيف من طرف ثلاثة أشخاص بهدف الاستيلاء على كاميرته الاحترافية. ورغم تكرار هذه الاعتداءات في تلك المنطقة، لم يكن المعتدون يتوقعون أن الضحية سيتصدى لهم بشجاعة ويتمكن من السيطرة على أحدهم إلى حين تدخل شرطة “موسوس دي إسكوادرا”، التي ألقت القبض على المعتدي.
التحقيقات كشفت أن الشخص الموقوف يبلغ من العمر 27 عامًا ويحمل الجنسية المغربية، كما أنه معروف لدى السلطات القضائية بتسعة سوابق عدلية. في المقابل، فرّ المعتديان الآخران ولا تزال التحقيقات جارية لتوقيفهما، بينما استُرجعت الكاميرا التي حاولوا سرقتها.
ورغم وضوح المعطيات الرسمية، سارعت بعض وسائل الإعلام في فرنسا وإسبانيا إلى نشر رواية خاطئة تحمل الجزائريين مسؤولية الحادثة، مستبقة نتائج التحقيق، ودون أي استناد إلى مصادر موثوقة. هذه التغطية المغلوطة أعادت تكرار نفس الأسلوب الممنهج الذي يُصور الجزائريين كمتهمين مفترضين عند كل حادثة إجرامية، في استسهال خطير للاتهام على أساس الانتماء الوطني.
ورغم أن بعض الصحف الإسبانية سرعان ما صححت الخطأ ونشرت الحقيقة، إلا أن الضرر الإعلامي كان قد وقع، وساهم في تغذية صورة نمطية مشوهة طالما لاحقت الجالية الجزائرية في أوروبا. هذا التناول الإعلامي غير المنصف ليس جديدًا، بل يأتي في سياق تصاعدي يعكس نظرة اختزالية تختزل مئات الآلاف من الجزائريين المقيمين بكرامة في مجتمعاتهم الأوروبية، في مشاهد العنف والهجرة غير النظامية.
الأخطر من ذلك أن هذا الخطاب الإعلامي المشحون لا يكتفي بتشويه الوقائع، بل يُذكي نزعات التمييز والكراهية، ويفرض على الجزائريين في الخارج شعورًا دائمًا بالريبة والضغط الاجتماعي. فهم يُعاملون كمشتبه بهم بشكل دائم، في تعدٍ صارخ على مبدأ قرينة البراءة، ما يخلق فجوة عميقة بين الجاليات المغاربية والمجتمعات المضيفة.
وفي هذا السياق، تصبح الحاجة ملحّة لأن تتحمل وسائل الإعلام الغربية مسؤوليتها المهنية والأخلاقية، وتتوقف عن إصدار الأحكام المسبقة المبنية على الخلفية العرقية أو الأصل الوطني. فدورها لا يقتصر على نقل الخبر، بل يمتد إلى تشكيل الرأي العام، وما يضفي عليه الشرعية هو الالتزام بالمصداقية، لا الانجرار خلف الإثارة.
حادثة برشلونة، رغم ما رافقها من تضليل إعلامي، تطرح مجددًا الحاجة إلى مراجعة شاملة لطريقة تعاطي الإعلام الأوروبي مع قضايا الجالية الجزائرية، والدعوة إلى خطاب أكثر توازنًا واحترامًا للحقيقة. فالعدالة لا تُقاس بالأصل، بل بالدليل، والكرامة الإنسانية لا تُصنف بجواز السفر، بل تُحترم بالمساواة والإنصاف.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…