فرنسا بين شبح الإفلاس وصعود اليمين المتطرف.. هل ينقذها التحالف؟
من المعروف تاريخياً أنه كلما دخل اقتصاد أي بلد في أزمة خانقة، تزامن ذلك مع صعود اليمين المتطرف. التاريخ مليء بالتجارب التي تؤكد أن أسباب الحروب غالباً ما تكون اقتصادية، وليس كما يعتقد البعض.
حالياً، الاقتصاد الفرنسي يعاني بشكل كبير. بلغت الديون السيادية رسمياً نسبة 110% من إجمالي الناتج المحلي، ما يعني أن فرنسا تستهلك كل ما تنتجه سنوياً وتستدين بنسبة 10% لاستكمال دورتها السنوية. ولكن ما يزيد الوضع سوءاً هو دخول الاقتصاد الفرنسي في حالة ركود رسمي، مما يعني أنه لم يعد ينتج فائضاً من الخيرات التي تغطي عملية الاستدانة ودفع الديون القديمة. وصلت قيمة الفوائد المترتبة على الديون التي يجب أن تدفعها فرنسا للجهات الدائنة إلى 71 مليار يورو.
تتمثل الأزمة في أن نسبة الاستدانة سترتفع مقارنة بنسبة دول أخرى مثل ألمانيا، مما سيشكل عبئاً على منطقة اليورو. قد يتدخل البنك المركزي الأوروبي لشراء سندات الديون الفرنسية للتخفيف من الأعباء وتحسين صورتها أمام الأسواق المالية العالمية. ولكن لا يستطيع البنك التدخل عدة مرات لنفس العملية، مما يطرح سؤالاً ملحاً على المختصين: ما العمل أمام اقتصاد يشكل 20% من مجموع اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي؟ دعم فرنسا ليس بالأمر الهين، وتركها تنهار ليس هو الحل، لأن ذلك سيؤدي إلى انهيار المنظومة الأوروبية ومنطقة اليورو بالكامل.
ما يعقد الوضع الاقتصادي هو صعود اليمين المتطرف الذي يخيف المستثمرين. إذا حصل اليمين المتطرف على الأغلبية المطلقة، وهذا مستبعد حالياً، سيكون سبباً في هجرة المستثمرين من فرنسا وزيادة مصاعبها الاقتصادية. سترتفع نسبة الاقتراض في الأسواق المالية العالمية، وتدخل فرنسا في صراع مع اقتصادات دول منطقة اليورو الداعمة لها مثل ألمانيا.
ألمانيا لديها مشاكلها الداخلية نتيجة انخراطها في الحرب الأوكرانية وفقدانها للغاز الروسي الرخيص، مما كلفها اقتصادياً الكثير من المتاعب. أزمة الشيخوخة تهدد البلد أيضاً، ولم تستطع ألمانيا جلب مليون مهاجر سنوياً منذ الأزمة السورية، حيث استطاعت في فترة ميركل جلب 850 ألف مهاجر فقط، وهذا غير كافٍ لتغطية العجز في اليد العاملة. عليها أن تجلب 15 مليون مهاجر بحلول عام 2030.
الوضع العام في فرنسا يدعو للقلق. تسارع في تأسيس الجبهة الشعبية لمواجهة كارثة اليمين المتطرف العنصري ومنعها من السيطرة على مقاليد السلطة دليل على تخوف مراكز القرار في فرنسا من تدهور الوضع ودخول البلاد في حالة إفلاس حقيقي مدمر لها وللمشروع الأوروبي برمته نظراً لأهمية الاقتصاد الفرنسي داخل المجموعة.
بعض الخبراء في الاقتصاد يتخوفون من لجوء الحكومة الفرنسية إلى استعمال مدخرات المواطنين في البنوك لتسوية الديون. هذا يعتبر أمراً خطيراً إلى درجة أن الكثير من المواطنين بدأوا يبحثون عن بلدان أخرى لفتح حسابات فيها لحماية مدخراتهم من احتمال السطو عليها من الحكومة.
تعاظم الديون قد لا يشكل خطراً بحد ذاته، ولكن تعاظم الديون مع سلطة متطرفة يخلق صعوبات اجتماعية وحالة من عدم الاستقرار تقترب من الحرب الأهلية. هذا هو الخطر الحقيقي على استقرار فرنسا.
تشكيل حكومة ائتلافية بعد الانتخابات يعتبر الحل الوسط لتفادي الإفلاس وبداية مواجهة الأزمة بطرق حكيمة. فرنسا بين خطر الإفلاس وخطر عنصرية اليمين المتطرف.
لخضر فراط صحفي معتمد لدى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي مدير نشر جريدة المؤشر
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…