فرنسا تحرّك المفوضية الأوروبية ضد الجزائر… وأصابع فون دير لاين تنفّذ الأوامر
منذ أكثر من عام، وجهتُ سؤالًا كتابيًا إلى المتحدث الرسمي باسم المفوضية الأوروبية حول طبيعة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، وسألته بشكل مباشر: “هل تريدون من الجزائر أن توزع عليكم مداخيلها النفطية بالكامل حتى ترتاحوا؟” لكن، للأسف، لم أتلق أي رد إلى اليوم، بل إن المتحدث نفسه غادر منصبه، وخلفه شخص جديد، في ظل استمرار تجاهل السؤال وامتناع الإدارة الأوروبية عن الشفافية.
ما يحدث اليوم يشير بوضوح إلى أن المفوضية الأوروبية، وتحديدًا برئاسة أورسولا فون دير لاين، التي أصبحت مطعونًا في شرعيتها داخل أروقة الاتحاد نفسه، لم تعد تمثل مصالح الاتحاد الأوروبي ككل، بل تحوّلت إلى أداة للدفاع عن المصالح الفرنسية في المنطقة. والدليل على ذلك، ما صدر مؤخرًا عن المفوضية من انتقادات ضد الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الجزائرية تجاه شركات فرنسية، واعتبار هذه الإجراءات “مجحفة”. وهي نفس المفوضية التي لزمت الصمت تمامًا خلال أزمة الجزائر مع إسبانيا، في ازدواجية معايير فاضحة.
ثلاثة أحداث متتالية تثبّت مجددًا مكر فرنسا وتخبطها في توظيف الاتحاد الأوروبي ضد الجزائر. أولها: تصريح الوزير الأول الفرنسي منذ يومين، والذي قال فيه بصراحة إن الاقتصاد الفرنسي يمر بحالة خطر وقلق. الثاني: تصويت البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (فرنسا كالمعتاد) على تحديث قائمة الدول المصنفة “رمادية” بسبب “عدم وجود قوانين ردعية كافية” لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ليتم إدراج الجزائر إلى جانب دولة موناكو في هذه القائمة، رغم أنها تضم دولًا مثل الإمارات وسلطنة عمان وغيرها، فقط لأن قوانينها المصرفية تختلف عن الأنظمة الأوروبية. الثالث: إعلان المفوضية الأوروبية فتح ما يُسمى بـ”آلية التحكيم” ضد الجزائر، بحجة التضييق على التجارة مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما اعتبرته إخلالًا من الجزائر باتفاق الشراكة – في الوقت الذي تطالب فيه الجزائر منذ أكثر من سنتين بمراجعة هذا الاتفاق.
ومع ذلك، فإن قرار المفوضية لا يُلزم سوى مؤسساتها، خاصة في ظل تصاعد التمرد الداخلي ضد سياساتها داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. العديد من الدول الأعضاء بدأت ترفض “ديكتاتورية فون دير لاين”، مثل سلوفاكيا، المجر، وإسبانيا، وبعضها لا يعترف بالعقوبات المفروضة على روسيا. على سبيل المثال، الدنمارك أعلنت مؤخرًا إلغاء كافة العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، وصرّحت بأن هذه القرارات لا تلزمها. كما أبدت عدة دول أوروبية انزعاجها من محاولة المفوضية فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، وأعربت عن دعمها لموقف بكين حفاظًا على مصالحها الاقتصادية.
لا شك أن الأيادي الفرنسية واضحة في تحريك مؤسسات الاتحاد الأوروبي ضد الجزائر، ويتوجب على الجزائر أن تفعّل تحالفاتها داخل أوروبا، خاصة مع دول داعمة لها مثل إسبانيا، إيطاليا، وبلدان أخرى، للجم التمدد الفرنسي داخل المفوضية. فالاتفاق الموقع بين الجزائر والاتحاد الأوروبي لا يُلزم الجزائر بتفضيل الشركات الفرنسية، بل ينص صراحة على حرية اختيار الشركاء الاقتصاديين من بين كافة أعضاء الاتحاد الأوروبي. وهو نفس الاتفاق الذي تطالب الجزائر بإعادة التفاوض عليه، ورفضت المفوضية حتى الآن مناقشته بشكل جاد.
أما عن أزمة فرنسا الحالية، فهي تكشف بوضوح أنها كانت تستفيد اقتصاديًا من الجزائر بشكل غير عادل. والآن، بعد أن أُغلقت “الحنفيات”، ارتبكت، وتحاول استعادة نفوذها بطرق ملتوية. لكن في الوقت نفسه، لا تزال السلطات الجزائرية لم تُفصح للرأي العام عن مصير أكثر من 1200 مليار دولار أنفقها نظام بوتفليقة خلال حكمه، ولا عن الجهات المستفيدة، والتي كانت فرنسا بالتأكيد على رأسها.
الشعب الجزائري يعرف الخبث الفرنسي جيدًا. لسنوات، كانت باريس تمنع مجرد الحديث عن الجزائر داخل الاتحاد الأوروبي دون الرجوع إليها. والمفارقة أن هذا الاتحاد الأوروبي نفسه، الذي يُصدر اليوم انتقادات ضد الجزائر، لم يتمكن طيلة سنتين من المجازر اليومية التي ترتكبها إسرائيل في غزة من عقد اجتماع واحد للشراكة معها، رغم وعود خمسة بلدان عربية والأمين العام لجامعة الدول العربية. بل إن جوزيب بوريل نفسه صرّح أنهم فشلوا حتى في تنظيم اجتماع بسيط لمساءلة إسرائيل عن جرائمها أو انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
لكن مهارة الاتحاد الأوروبي تظهر فقط حين يتعلق الأمر بـ الضغط على الجزائر والدول العربية الأخرى، بسياسات استعمارية وأسلوب انتقائي في التعامل، يُكرّس ممارسات الكيل بمكيالين التي باتت سمة دائمة.
لقد أصبح واضحًا أن التحرر من الوصاية الفرنسية لم يعد مجرد شعار، بل قضية وجودية بالنسبة للجزائر. والانضمام الأخير إلى منظمة “الآسيان” يُعد بداية استراتيجية للخروج من المدار الأوروبي، وإعادة التموقع ضمن شراكات دولية متوازنة. فالاتحاد الأوروبي اليوم تحوّل إلى أداة للصهيونية العالمية، تُستخدم متى شاءت لحماية مصالحها الاقتصادية والعسكرية، خاصة عبر منصات مثل المفوضية الأوروبية التي لم تعد تعكس التنوع السياسي داخل القارة.
إن معركة الجزائر اليوم ليست اقتصادية فقط، بل سياسية، سيادية، واستراتيجية، هدفها إنهاء مرحلة التبعية، وبناء علاقات دولية متوازنة قائمة على الندية والاحترام المتبادل.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…