فضيحة الطاقة تزلزل الاتحاد الأوروبي..
تعيش بروكسل اليوم على وقع أزمة سياسية حادة تهدد كيان الاتحاد الأوروبي، وسط تصاعد موجة الغضب والانتقادات الموجهة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على خلفية الاتفاق الذي أبرمته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي وصفته بعض الدول المؤثرة في الاتحاد بالخيانة للمبادئ الأوروبية. وقد تعالت أصوات في عدد من العواصم الأوروبية تطالب حكوماتها بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، في تطور غير مسبوق.
بدأت الأزمة عندما تبين أن رئيسة المفوضية الأوروبية التزمت للرئيس الأمريكي بشراء ما يعادل 750 مليار دولار من الغاز والنفط الأمريكي. وتكمن الكارثة في أن المفوضية لا تملك الصلاحيات القانونية للتفاوض في مسائل الطاقة، التي تبقى من الاختصاصات السيادية للدول الأعضاء. وقد اعتبرت ألمانيا أن بروكسل ارتكبت خطأً قانونيًا جسيمًا، إذ داست على معاهدات الاتحاد بتجاوزها لصلاحياتها، ما ينذر بأزمة خانقة. فشراء الطاقة ليس من صلاحيات المفوضية، بل تقوم به كل دولة على حدة، ما يطرح تساؤلات عن كيفية توزيع تلك الكميات، وهل ستقبل الحكومات والرأي العام الأوروبي بإنفاق تلك المليارات على الغاز الأمريكي الملوث للبيئة والذي يفوق سعره بثلاثة أضعاف الغاز الروسي.
في ألمانيا، تعالت الأصوات المطالبة بأن يتولى المستشار شخصيًا ملف إعادة التفاوض مع الرئيس الأمريكي، بسبب “عدم كفاءة” أورسولا فون دير لاين. وإن حدث ذلك، فسيُعتبر بمثابة إعلان عملي لانفصال ألمانيا عن الاتحاد، كونها ترفض تفويض المفوضية بالتفاوض في قضايا التجارة نيابة عن الدول. كما أن التشكيك في الاتفاقية المبرمة سيُعد ضربة قاضية لفكرة الانتماء الأوروبي.
فرنسا بدورها لم تُخفِ استياءها من تجاوز بروكسل لصلاحياتها، وأبدت رغبتها في التفاوض منفردة بشأن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، والتي تهدد بخنق الاقتصاد الفرنسي وتدمير ما تبقى من نشاطه.
أما رئيس وزراء المجر، الذي طالما اعتبر نفسه هدفًا لمؤامرات بروكسل الرامية لإسقاطه، فقد ندد بدوره بتصرفات أورسولا، مؤكدًا أن بلاده لم تمنحها أي تفويض للتفاوض بشأن قضايا الطاقة. وأشار إلى أنه لا يعلم عن أي دولة أخرى منحتها هذا التفويض، معتبرًا ما حدث تجاوزًا خطيرًا من بيروقراطية بروكسل لسيادة الحكومات الوطنية.
رئيسة المفوضية الأوروبية، التي تراجعت شعبيتها منذ فضيحة اللقاحات، بات يُنظر إليها اليوم على نطاق واسع بأنها غير مؤهلة لقيادة المشروع الأوروبي، وأنها أدخلت الاتحاد في أزمة أخطر من كل سابقاتها. وهناك من يرى أنها خانت رسالة الاتحاد الأوروبي ومبادئه، وأنها ضعيفة في مواجهة الولايات المتحدة، حيث قدمت لترامب كل شيء دون أن تحقق أي مكاسب تذكر لأوروبا.
الاتفاق في مجال الطاقة، وهو ملف حساس بالنسبة للمواطنين والاقتصادات الأوروبية، سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع كبير في فواتير الاستهلاك، ما سيؤثر على المصانع والنشاط الاقتصادي ككل، ويزيد من معاناة الأسر التي ترزح أصلًا تحت عبء تكاليف المعيشة المرتفعة. ومعلوم أن الطاقة هي شريان الحياة من البيوت إلى المصانع، ولهذا بدأت ترتفع الأصوات المطالبة بالعودة إلى استيراد الغاز الروسي ووقف تمويل الحرب الأوكرانية، التي يُنظر إليها على نحو متزايد كمؤامرة أمريكية ضد المصالح الأوروبية.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…