فضيحة Elecnor: القضاء الإسباني يطارد شبكة فساد تورّطت في مشاريع جزائرية
يتحوّل الملف المعروف إعلامياً بـ”قضية Elecnor” إلى واحد من أكبر المحاكمات في إسبانيا المتعلقة بالفساد الدولي، بعد أن قرر الادعاء العام الإسباني توجيه لوائح اتهام ثقيلة ضد سياسيين بارزين ورجال أعمال ومديرين تنفيذيين، بتهم تتعلق بدفع رشاوى لمسؤولين جزائريين مقابل الفوز بمشاريع ضخمة في مجالات البنية التحتية.
هذه القضية التي فجرتها الصحافة الإسبانية منذ 2015، وتناقلتها وسائل إعلام محلية مثل El Público وEl País، تكشف عن شبكة فساد منظمة استخدمت وسائل ملتوية لإخفاء تحويلات مالية مشبوهة بلغت ملايين اليوروهات، لتسهيل عقود عمومية بمليارات الدنانير الجزائرية.
التحقيقات بينت أنّ العقود التي شابتها عمليات فساد تعود إلى الفترة بين 2009 و2013، وتشمل بالدرجة الأولى مشروع ترامواي في مدينة ورقلة بقيمة 230 مليون يورو، ومحطة كبرى لتحلية مياه البحر في منطقة سوق ثلاثاء بولاية تلمسان، والتي بلغت تكلفتها 250 مليون يورو. هذه المشاريع التي كان يُفترض أن تمثل مكسباً تنموياً للجزائر، ارتبطت بفضائح رشاوى دفعها متعاقدون إسبان إلى مسؤولين محليين لضمان الحصول على الصفقات. الأدهى أنّ أشكال الرشاوى لم تكن مالية مباشرة فحسب، بل اتخذت صوراً متعددة، شراء عقارات فاخرة في باريس وبورتو وبانوس قرب ملقة الإسبانية، تسديد ديون ضريبية تخص مسؤولين جزائريين، وحتى التكفل بمصاريف دراسة أبنائهم في جامعات إسبانية. هذه التفاصيل، التي أوردتها صحيفة Echourouk نقلاً عن El Público، تكشف كيف تحولت الجزائر آنذاك إلى أرض خصبة لتغلغل المال السياسي والصفقات المشبوهة.
ولم تقتصر أساليب الشبكة على نقل الأموال نقداً أو عبر تحويلات بنكية بسيطة، بل اعتمدت منظومة مالية عابرة للقارات. الأموال مرّت عبر شركات وهمية مسجلة في دبي مثل Shams Al Sabah General Trading LLC وErfaa Commercial Broker LLC وMC Europe FZE، كما تم استعمال مؤسسات في إيرلندا مثل Emerald Business Consulting، وأخرى في هولندا مثل Castelino BV. إلى جانب ذلك، استُعملت فروع شركات في المملكة المتحدة وجزر فيرجن البريطانية لإخفاء المسارات الحقيقية لهذه الأموال، ما يجعل القضية مثالاً صارخاً عن كيفية استغلال الملاذات الضريبية لإخفاء عمليات الرشوة وغسل الأموال.
القضاء الإسباني، الذي ظل يلاحق هذا الملف منذ 2015، وجه تهماً ثقيلة ضد السياسيين المتورطين، من بينهم نائب سابق وسفير سابق، وطلب في حقهما 18 سنة سجناً نافذاً وغرامة بـ720 ألف يورو، بالإضافة إلى مصادرة أصول بقيمة 2,64 مليون يورو مرتبطة بشركتين أُنشئتا خصيصاً لالتقاط العمولات غير الشرعية. لكن الأخطر من ذلك أنّ المدعي العام طالب بعقوبات أشد تصل إلى 21 سنة سجناً ضد مديرين تنفيذيين في مجموعة Elecnor الباسكية، بتهم الفساد في الشركات، والرشوة النشطة، والتزوير، والانتماء إلى منظمة إجرامية. كما طالت المتابعات عائلة وسيط رئيسي توفي خلال مسار التحقيق، حيث يُحاكم شقيقه وابنه بتهم مرتبطة بتبييض الأموال واستغلال النفوذ داخل الجزائر.
اللائحة الاتهامية لا تتوقف هنا. فقد شملت رجال أعمال آخرين من بينهم مالكو مكاتب استشارات مالية استُخدمت كقنوات لنقل العمولات، إضافة إلى وسطاء أوروبيين من سويسرا وهولندا، متابعين جميعاً بتهم غسل الأموال وتبييض عمولات مشبوهة. المجموع الكلي للمتهمين بلغ 23 شخصاً، يُحاكمون جميعاً بتهم “الفساد في المعاملات التجارية”، “تقديم رشاوى”، “تزوير الوثائق”، و”الانتماء إلى منظمة إجرامية”، مع إمكانية إضافة تهمة “الانضمام إلى جمعية غير مشروعة” كعقوبة تكميلية.
الأمر لا يقتصر على الأفراد، فحتى الشركات الكبرى وجدت نفسها في قفص الاتهام. خمس شركات على الأقل، بينها Elecnor نفسها وفروعها الدولية، بالإضافة إلى Rover Alcisa وAssignia Infraestructuras وAS Auditoría & Consulting Navarra، تلاحقها النيابة بتهمة “المسؤولية الجنائية” بسبب غياب أنظمة رقابة داخلية تمنع الفساد. الادعاء العام طلب غرامات ضخمة ضدها: 36,7 مليون يورو ضد Elecnor، 9,12 مليون يورو ضد Rover Alcisa وAssignia، و4,56 مليون يورو ضد الشركة الاستشارية النافارية. هذه العقوبات، إن أقرتها المحكمة، ستشكل سابقة في تحميل الشركات مسؤولية مباشرة عن ممارسات موظفيها ومديريها التنفيذيين.
القضية التي كُشفت لأول مرة في نوفمبر 2015، إثر بلاغ تقدم به أحد الوسطاء للنيابة الإسبانية المختصة بمكافحة الفساد، أجبرت حينها مسؤولين سياسيين كباراً على الاستقالة. ومنذ ذلك الحين، توالت التحقيقات وعمليات التفتيش التي طالت مقرات شركات ومنازل شخصيات نافذة، وتم فحص مئات الرسائل الإلكترونية والفواتير، إلى جانب إصدار عشرات الإنابات القضائية الدولية نحو الجزائر، الإمارات، فرنسا، سويسرا، هولندا، بريطانيا، لوكسمبورغ، الصين، هونغ كونغ، المغرب وإيرلندا. هذه التحقيقات كشفت حجم الشبكة وتعقيدها، وأظهرت أن الجزائر كانت في تلك المرحلة هدفاً أساسياً لنظام فساد عابر للحدود استغل ضعف الرقابة وتواطؤ بعض المسؤولين.
اليوم، وبعد عشر سنوات من بداية التحقيقات، يجد المتهمون أنفسهم أمام القضاء الإسباني بملف ثقيل، يكشف أن الجزائر في مرحلة معينة تحولت إلى محطة محورية لشبكات الرشاوى الدولية. هذا التطور القضائي في مدريد يسلط الضوء مرة أخرى على أسئلة ملحّة في الجزائر، لماذا لم يُفتح أي تحقيق داخلي شفاف رغم أن الوقائع مرتبطة مباشرة بأراضيها ومسؤوليها؟ وكيف يمكن أن يظل الصمت هو الرد الوحيد فيما يلاحق القضاء الإسباني تفاصيل دقيقة عن رشاوى وصلت إلى شراء عقارات في أوروبا وتمويل دراسات أبناء مسؤولين جزائريين؟
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…