‫الرئيسية‬ في الواجهة اقتصاد قمة شنغهاي: صفعة آسيوية لواشنطن وبوادر نظام عالمي متعدد الأقطاب

قمة شنغهاي: صفعة آسيوية لواشنطن وبوادر نظام عالمي متعدد الأقطاب

قمة شنغهاي: صفعة آسيوية لواشنطن وبوادر نظام عالمي متعدد الأقطاب
تحتضن الصين قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي حضرها جميع القادة الأعضاء، وشكّلت فرصة للقاء بين الوزير الأول الهندي والرئيسين الصيني والروسي. قمة لفتت الأنظار لأنها تنعقد في فترة حساسة يمر بها العالم، في ظل صراع علني وأحيانًا خفي مع قادة الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي بدأت تفقد شيئًا فشيئًا من ريادتها العالمية. وفي المقابل، بدأت كل من الصين وروسيا والهند، وبدرجة أقل باقي الدول الصاعدة، تفرض وجودها على الساحة الدولية وتطالب بإعادة النظر في النظام العالمي الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الثانية والقائم على الأحادية القطبية، سعياً نحو عالم متعدد الأقطاب.

زيارة الوزير الأول الهندي إلى بكين بعد غياب دام سبع سنوات مثّلت منعطفًا مهمًا، إذ وُقّعت خلالها عدة اتفاقيات ضخمة، كما بحث مع الرئيس الصيني سبل تكثيف العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين. هذه الزيارة اعتُبرت صفعة قوية للولايات المتحدة، خاصة بعد أن فرضت واشنطن رسومًا جمركية بلغت 25% على السلع الهندية ثم رفعتها إلى 50%، عقابًا للهند لرفضها التخلي عن شراء الغاز والنفط الروسيين اللذين ساعدا على استقرار سوق الطاقة الهندية. غير أن الهند رفضت الإملاءات الأمريكية وأدارت ظهرها لها، متجهة نحو تعزيز التعاون والتحالف مع الصين، باعتبارهما أكبر بلدين في العالم.

الصفعة الهندية لواشنطن كانت مؤلمة، خصوصًا أن الرسوم الجمركية ستنعكس سلبًا على الاقتصاد الأمريكي، فالهند تصدّر ما يقارب 10 مليارات دولار من الأدوية، وهو قطاع لا يمكن تعويضه بالإنتاج المحلي الأمريكي بين عشية وضحاها. وستعاني المستشفيات هناك من نقص في الأدوية أو ارتفاع أسعارها بسبب تلك الرسوم.

أما حضور الرئيس الروسي للقمة فقد حمل دلالات واضحة، فهو إشارة قوية على أن روسيا لن تتخلى عن تحالفها الاستراتيجي مع الصين والهند. كما أنها لن تنسى العقوبات الغربية التي فُرضت عليها لتدمير اقتصادها، لكنها استطاعت تحويل تلك العقوبات إلى فرصة لإعادة تنشيط قدراتها الوطنية؛ فنجحت في إنتاج توربينات متطورة لتوليد الكهرباء كانت تستوردها من الغرب، كما صنعت محركات للطيران المدني وأعادت إنعاش صناعة الطيران بعد توقف إيرباص وبوينغ عن التعامل معها.

على الصعيد المالي والنقدي، اتجهت دول عديدة للتعامل باليوان الرقمي أو بالروبل أو حتى بالعملة الهندية. وفي خطوة بارزة، أبرمت السعودية اتفاقًا مع الصين لبيع النفط باليوان، وهو ما أثار غضبًا أمريكيًا شديدًا، إذ يقلل ذلك من الثقة بالدولار كعملة احتياطية عالمية. كما ربطت الصين عددًا من الدول الآسيوية والإفريقية بنظام الدفع الخاص بها، في حين فقدت الولايات المتحدة جزءًا من سيطرتها على حركة التجارة العالمية التي كانت تمر عبر قنواتها المالية. وحتى بعض الدول الأوروبية بدأت تتقارب – ولو بتحفظ – مع أقطاب النظام العالمي الجديد، مثل إسبانيا التي وقّعت اتفاقية مع شركة هواوي لأنظمة الاتصالات رغم الضغوط الأمريكية، والمجر التي تحتفظ بعلاقات مميزة مع الصين وروسيا.

القادة المشاركون في قمة منظمة شنغهاي للتعاون – التي تمثل حلفًا عسكريًا شرقيًا لموازنة حلف الناتو والولايات المتحدة – سيحضرون أيضًا الاحتفالات بالذكرى الثمانين لانتصار الصين على اليابان، حيث ستُعرض أحدث ما أنتجته الصين من أسلحة متطورة.

في موازاة ذلك، يواصل نفوذ دول “البريكس” التوسع يومًا بعد يوم، فارضًا نفسه كقوة اقتصادية وتحالف يُحسب له ألف حساب. والسياسات العقابية الأمريكية أسهمت – من حيث لا تدري – في تقوية هذا التكتل وإضعاف الثقة في الدولار، بل ونفور كثير من الدول من التعامل به. سياسة الرسوم الجمركية لم تجلب لواشنطن سوى المصاعب، وأدت إلى خسارة حلفاء تقليديين مثل كندا واليابان والمكسيك والهند والبرازيل، فيما تتسع قائمة الدول الناقمة على النهج الأمريكي تدريجيًا.

العالم يتغير أمام أعيننا، وأحلام الشعوب الفقيرة والحديثة الاستقلال في بناء نظام عالمي عادل بدأت تتحقق تدريجيًا على أرض الواقع.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

المروك على حافة الانهيار الاقتصادي ويبحث منفذا عبر الجزائر

تكثّف دوائر المخزن في المروك خلال الأسابيع الأخيرة حملاتها الإعلامية الممولة عبر مقالات مد…