كريم طابو.. “مقاومة” بلا مشروع!
كتب كريم طابو مقالًا مطولًا نشره موقع Le Matin d’Algérie تحت عنوان “تحمّل مسؤوليتنا التاريخية في المقاومة”، وهو عنوان ثقيل لغويًا، لكنه خفيف سياسيًا عند قراءة فحواه المملوء بالمآخذ المكررة والمقولات الجاهزة.
لم يكن المقال عرضًا سياسيًا ناضجًا، بل مرافعة ذاتية يعيد فيها تلميع صورته كمناضل مستهدف، ويستغل معاناته الشخصية لتقديم نفسه كرمز نضالي أوحد، في محاولة مكشوفة لتأميم الشرعية الثورية واحتكار الخطاب المعارض باسم “الاضطهاد”، دون أن يقدم مشروعًا حقيقيًا أو رؤية جماعية واضحة.
بدأ طابو كلامه كعادته متقمّصًا دور الضحية المظلومة التي تخوض حربًا ملحمية ضد “نظام استبدادي”، وكأنه الوصي الوحيد على الوعي الوطني والناطق الرسمي باسم الضمير الشعبي. بينما هو، في الحقيقة، لا يُتقن سوى أمر واحد.. تكرار الأسطوانة المشروخة للضحية الدائمة، والمعارض المُقدّس، الذي لا يُسأل ولا يُحاسب، ولا يُناقش، بل يُصفق له أو يُتّهم بالخيانة.
يتحدث عن “المسؤولية التاريخية” وكأنه يعيش داخل نص مسرحي لا علاقة له بواقع الجزائر، ولا بمعاناة شعبها اليومية، ولا بتحدياتها السياسية والاقتصادية والأمنية الحقيقية. وكأن مقاومته المزعومة على مواقع الإنترنت هي “نضال” في زمن لا يحتاج إلى شهود، بل إلى إنجازات ملموسة. لا حزب، لا مشروع، لا بديل، لا اقتراحات، فقط نحيب سياسي طويل وتخوين مجاني لكل ما هو قائم.
يزعم أنه مقاوم، لكنه لم يقاوم إلا فكرة التنظيم والانضباط والعمل المؤسساتي. انسحب من كل تجربة سياسية جماعية، ونسف كل محاولة لبناء جاد، ليبقى وحده في المشهد، لأنه لا يستطيع أن يكون جزءًا من الحل، فهو لا يرى في نفسه إلا القائد، الزعيم، والقدّيس المعصوم. نسي أن الجزائر ليست خشبة مسرح، وأن الشعوب لا تُقاد بشعارات مستوردة ولا بتغريدات تشبه نداءات الاستغاثة أكثر مما تشبه دعوات التغيير.
في مقاله الأخير، لا يُكلّف طابو نفسه حتى عناء الإقناع، بل يصرخ في وجه الجميع، السلطة خائفة، القضاء مسيّس، الإعلام مرتزق، الشعب مضحوك عليه، وكل من لا يصفق له إما مأجور أو جبان. فهل هذا خطاب سياسي؟ أم محاولة يائسة لإسقاط أزمته النفسية على الدولة والمجتمع؟
ينتقد القمع، لكنه يغتال النقاش. يشتم السلطة، لكنه لا يجرؤ على نقد نفسه أو الاعتراف بفشله في بناء أي بديل، ولا حتى تفسير سبب انسحابه من كل مبادرة جادة لخدمة التغيير الحقيقي بعيدًا عن الفوضى.
يهاجم الدولة وكأنها كتلة واحدة من الخراب، ويتجنّى على الجيش وكأن الذاكرة الجزائرية قد مُسحت. يسخر من الإعلام، في الوقت الذي لا يغيب فيه عن مواقع ومنصات ممولة من جهات معروفة بعدائها للجزائر. أي نضال هذا الذي يُعيد تدوير محتوى قنوات مثل الجزيرة وفرانس24 وأبواق الإخوان، ويبيعه لنا على أنه مقاومة وطنية؟
كريم طابو، اليوم، ليس مشروعًا سياسيًا، بل تجسيد حي للعجز والتكرار والتهرب من البناء. يُجيد نقد الدولة، لكنه يرتعب من نقد الذات. يعظ الشعب من منصة أخلاقية عالية، بينما يغرق حتى أذنيه في التناقضات والمحدودية السياسية.
من حق أي جزائري أن يعارض، بل أن يثور، لكن ليس من حق أحد أن يصادر البلاد بخطاب التخويف والتضليل، ويجعل من الفوضى الطريق الوحيد للتغيير. هذا تحريض، لا نضال. عبث، لا مشروع. مسرحية رديئة، لا موقف تاريخي.
الجزائر أكبر من كريم طابو، وأكبر من كل من يظن أن الصراخ والتدوين يمكن أن يصنع شرعية أو يزعزع مؤسسات وطنية راسخة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …