‫الرئيسية‬ في الواجهة رأي مقالات “كهنوت الديمقراطية” يعود للواجهة
مقالات - 21 يوليو، 2024

“كهنوت الديمقراطية” يعود للواجهة

"كهنوت الديمقراطية" يعود للواجهة
بعد الانتهاء من تقديم ملفات المترشحين للرئاسيات، تخرج علينا عصابة “الدمقرطة” لتصرخ وتقول إن الأمور كلها مخطط لها مسبقًا. صراحة لا أفهم هؤلاء في تحديدهم لمبادئ الديمقراطية، وأنا أعيش في بلد ديمقراطي أو “حزبوقراطي” كما نعته أستاذ السياسة في جامعة بلجيكية معروفة.

لقد عشت مقربًا بحكم مهنتي من العملية السياسية البلجيكية منذ أكثر من 30 سنة وأعرف كيف تُدار الأمور وتحسب عملية الربح والخسارة في بلجيكا، وهي من أعقد الأنظمة السياسية في العالم، حيث الانتخاب بها إجباري ولا أحد يقول إنه غير ديمقراطي.

لا أفهم صراحة هذه العصابة التي نصبت نفسها الممثل الشرعي والوحيد للديمقراطية في الجزائر وهي من تحدد مقاييسها كما يحلو لها خارج القوانين الجزائرية التي لا تعترف بها. هذه الشلة امتهنت الطعن بالكذب على الناس في الخارج خاصة، لأن أصواتها ليست مسموعة في الداخل ولا يهمها أصلاً المواطن الجزائري.

المقصود طبعًا هو ترشح الرئيس تبون لعهدة ثانية رغم أن هذا حق دستوري يمنح للرئيس الترشح لعهدة ثانية ولا يوجد أي لبس قانوني. الترشح يدعمه أيضًا عدة أحزاب وجمعيات وشخصيات وطنية ترى في شخص الرئيس ما يحقق برامجها وأهدافها السياسية. هؤلاء جزائريون لهم كل الحق في دعم من يرونه مناسبًا.

كما يعترف العام والخاص أن الرئيس تبون يملك شعبية كبيرة حققها من عهدته الأولى بطريقة تسييره لأمور الجزائر ولصالح المواطن الجزائري بالدرجة الأولى. فأين الخلل عند “جماعة كهنوت الديمقراطية” يا ترى؟ هؤلاء لهم مهنة واحدة وأزلية، وهي الطعن في كل ما تقوم به الجزائر من عمليات انتخابية ونعتها باللا ديمقراطية وكأنهم معبد كهنوت للديمقراطية وهم فقط من يقدم لك صكوك غفران الديمقراطية دون أن يشرحوا لنا معانيها وتطبيقاتها وكيف يرون الديمقراطية في الجزائر. هل يجب أن تكون على طريقة الممارسة في إسرائيل أو في أمريكا أو بريطانيا أو الهند أو بلجيكا أو هولندا وبلدان شمال أوروبا، دون أن ننسى روسيا والصين وعدد من البلدان العربية؟ ففي كل هذه الدول تُمارس الديمقراطية بشكل مختلف وهي أيضًا أنظمة مختلفة تتراوح بين الملكيات والجمهوريات.

ديمقراطية أمريكا تعتمد على المال أولًا وثانيًا وثالثًا، ثم على الشخصية التي تتفق حولها الأحزاب الأساسية. ولن يكون إلى يوم الدين في أمريكا رئيسًا خارج الحزبين الرئيسيين. هل هذا ديمقراطي أم لا يا جماعة الكهنوت؟ تمامًا مثل ما هي الأحوال في فرنسا، فالرئيس يتم اختياره وتدريبه وتوجيهه سرًا سنوات قبل أن يخرج للعلن ويترشح ويكون رئيسًا للبلاد. لأن البلدان الجادة في العالم لا تغامر بأعلى منصب في السلطة لما يشكله هذا المنصب من خطر على استقرارها الداخلي وحتى الإقليمي والدولي.

صراحة لا أرى أي شيء يؤدي بأي ملاحظ جاد ومحترم لأن يقول إن الجزائر ليست بلدًا ديمقراطيًا. بل على العكس تمامًا، فهي بلد ديمقراطي إلى درجة الانفلات والفوضى، ويجب التفكير في إيجاد حل لهذه الخطورة. وهي ناتجة أساسًا من فهم الجزائري، أو لا فهمه، لكيفية ممارسة الديمقراطية والتي تعني فقط طريقة تسيير متطورة للمجتمع ليس إلا.

الديمقراطية تعني الانتخابات ولكن ليس كما تريدها أنت بل كما يحددها المجتمع. وإذا رفضك المجتمع فلا يمكنك أن تقول إن الانتخابات ليست ديمقراطية، بل أنت مرفوض من المجتمع ديمقراطيًا وانتهى الأمر.

معبد كهنوت الديمقراطية يرى أن الأمور مرتب لها في الجزائر، ولكنه لا يشرح لنا كيف يراها أهل المعبد. فهل يجب أن تكون حالة فوضى عارمة ليعتبرها ديمقراطية في الجزائر؟ ثم هل يملك من لا يشارك في الانتخابات الحق في وصفها، وحتى قبل حدوثها، بأنها غير ديمقراطية؟ هذا هو الإشكال الحقيقي.

المشارك في الانتخابات من بدايتها إلى نهايتها له الحق في وصف الانتخابات كما يشاء وحسب تجربته، أما من ينتظر خارج المجال وينصب نفسه حكمًا وهو من يعطي صكوك الديمقراطية للتصويت الشعب الجزائري فهذا هو الإجرام بعينه في حق الممارسة الديمقراطية التي هي مجرد تنظيم اجتماعي وسياسي حديث للمجتمعات ولكل مجتمع تجربته الخاصة.

السؤال هو لماذا لم يصف هؤلاء المناصب التي عينتهم فيها السلطة بأنها غير ديمقراطية ورفضوها؟ النفاق يؤدي بهم إلى إطلاق توصيف الديمقراطية حسب أهوائهم ومصالحهم. صراحة، أقولها: شوية حشمة وكفى عبثًا.

عملية الطعن المسبقة في ديمقراطية الانتخابات الرئاسية القادمة كلام تافه من محترفي الفوضى والخراب وأصبحت عملية مملة سمجة وأهدافها واضحة ولكنها قديمة وبالية ولن تفيد أصحابها هذه المرة.

الديمقراطية في الجزائر يحددها المجتمع الجزائري حسب مساره السياسي والاجتماعي ولا تحتاج لأي رخصة من معبد كهنوت كان. وهي أيضًا ليست رخصة يمنحها لك طبيبك الخاص.

لكل بلد ديمقراطيته الخاصة به، ولم أرَ شخصيًا رئيس وزراء الهند مودي ينتقده الهنود على أنه حضر للانتخابات وخطط للبقاء في الحكم، طبعًا لأن الهند لا يوجد بها معبد كهنوت يمنح صكوك الديمقراطية. ولن تجد من يقول عن ترامب، الذي كادت الديمقراطية الأمريكية أن تقتله وتتخلص منه، بأنه حضر للصعود إلى السلطة، ولا تقول لبايدن المريض والخارج عن نطاق التغطية بأن بقاءه مرشحًا أمر غير ديمقراطي لأن أمريكا لا يوجد فيها معبد كهنوت للديمقراطية مثلما نراه يتأسس في الجزائر منذ سنوات.

كفى عبثًا، خذ ديمقراطيتك إلى الجحيم.

لخضر فراط صحفي معتمد لدى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي مدير نشر جريدة المؤشر.
   

اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…