‫الرئيسية‬ في الواجهة فنون وثقافة لم يطفئ جذوتها انقضاء ستين عاما من الاستقلال..الثورة الجزائرية مازالت تلهم الروائيين الجزائريين والأجانب بحرارة
فنون وثقافة - 23 يونيو، 2024

لم يطفئ جذوتها انقضاء ستين عاما من الاستقلال..الثورة الجزائرية مازالت تلهم الروائيين الجزائريين والأجانب بحرارة

الثورة الجزائرية مازالت تلهم الروائيين الجزائريين والأجانب بحرارة
مازالت الثورة الجزائرية، تسيل الكثير من الحبر، في الجزائر كما في فرنسا، وتطرح في كل يوم المزيد من الشهادات والأفكار والتفاصيل، حتى بعد أزيد من ستين عاما من انتهائها.. إنها ثورة لا يزال الكتاب الجزائريون وبعض الفرنسيين يكتبون عنها بشعور نازف، وبأحاسيس مندفعة.. كما لو أنهم يعبرون عنها لأول مرة..

من ضفتي المتوسط، انتقلت الشرارة إلى القارة الأمريكية، وصارت –مثلما كانت في زمانها- مصدرا لا ينضب للحكي والاعتراف والكشف والاستذكار.. هذه عينة قليلة من سيل عرمرم من الكتابات لجزائريين وفرنسيين من الضفتين.. كل منهم يحمل رؤيته المختلفة..

مايسة باي.. طلقة نحو الطفولة

بعد ستين عامًا من اتفاقيات إيفيان واستقلال الجزائر، تعود الأديبة الجزائرية مايسة باي بذكرياتها إلى عالم طفولتها، التي طبعتها ذكرى أليمة موجعة، وهي اغتيال والدها عام 1957.. تروي الكاتبة الجزائرية مايسة باي في قصة مطولة نشرتها بجريدة “لوموند” عن تلك الطفولة المشوبة بالحرب والدم..

تقول مايسة إن تلك الطفلة لا تستطيع أن تتذكر بشكل واضح.. ما الذي يقبع في ذاكرتها؟ أصوات، كلمات، صرخات، وضوضاء تحدثها جميع الحروب، يؤدي صداها المتعب إلى تحريف الذاكرة، حتى بعد فترة طويلة من وقوعها.

بالنسبة للأديبة مايسة باي، في قصتها، فإن الآباء الجزائريين لم يكونوا يرعبون أبناءهم بما يحدث، يحاولون قدر الإمكان الحفاظ على براءة الوعي والاستيعاب لدى فلذات أكبادهم. لكن: كان للحرب كلام آخر.. لقد سمعت ذات يوم صرخة طويلة، لم تعرف سببها، ثم تتشوش الذاكرة قليلا لتسفر مجددا عن صورة أمها تبكي ويداها المرتعشتان تمسكان بكتفها وهي تصرخ: “لقد قتلوا والدك”..

تقول: “لقد دخلوا حياتي.. هؤلاء الذين كان يطلق عليهم اسم “الرومي”..”، حتى ذلك اليوم كان العالم الممزق والحرب شيئين غير موجودين في إدراك الطفلة مايسة، كل شيء غير مرئي وصامت، ولم يؤثر بأي شكل من الأشكال على حياتها كطفلة، ثم أصبح فجأة حقيقة مؤلمة: “كنت أبحث عن آثارها في مسار الأيام الذي كان يبدو سلميًا”.

وتسترسل: “بالطبع، كان هناك جنود اقتحموا المنازل ليلاً ونهبوا كل شيء بحثًا عن أدلة تدين أصحابها، وأخذوا أزواجًا وآباء وإخوة لم يروا بعد ذلك.. ولكن تم ذلك تحت جنح الظلام وفي حذر.. خلال النهار كانت الشمس الخافتة تعيد للعالم ألوانه وإشراقه.. كانت الحياة تأخذ مجراها.. نزور بعضنا ونستقبل بعضنا عند اصطحاب الأطفال إلى المدارس، لم تكن هناك قيود على الألعاب والألعاب الحربية للأطفال في الشوارع، والحانات كانت مليئة حتى وقت حظر التجول”.

أليس كابلان .. على خطى كامو

أما الكاتبة والأكاديمية والمؤرخة الأمريكية، أليس كابلان، التي اشتغلت طويلا على الذاكرة والسير الذاتية والمحفوظات المتعلقة بالمشهد الأدبي الفرنسي بعد الحرب، فقد اهتمت بشكل خاص بجزائر ألبير كامو، ومن أجل ذلك عبرت أليس كابلان البحر الأبيض المتوسط لتكتب روايتها الأولى “بيت أطلس”، التي نُشرت في نفس الوقت في فرنسا، ثم في الجزائر (منشورات برزخ).

تدور وقائع الرواية في أوائل التسعينيات، لقد غادرت إميلي مينيسوتا لتستقر في بوردو. وهناك على مقاعد الجامعة تلتقي دانيال أطلس، وهو يهودي جزائري وقعت في حبه.. شاب غادر الجزائر خلال العشرية السوداء ليدرس في أروبا.. عائلته من الأقدام السود، ومن كبار التجار في الجزائر، فضلت ان تبقى في الجزائر بعد الاستقلال، واندمجت في النسيج السكاني حتى صارت واحدة من عائلات حي الأبيار الراقي. لكن نار الإرهاب أتت على المشاعر وهددت الكل.

تروي العائلة للشابة كيف أنها عاشت مراحل الثورة الجزائرية، وشهدت على كل الأهوال التي تكبدها الجزائريون، ولكنها بعد الاستقلال رفضت المغادرة مع مئات الآلاف من العائلات الأوربية واليهودية.. ببساطة لأنهم اعتبروا أنفسهم جزائريين.

فانسون إيجارك.. قبيل الاستقلال بقليل

في روايته “أشباح الجزائر العاصمة”، يعود فانسون إيجارك من جديد إلى حريق الجزائر القاتل في الأسابيع الأولى من عام 1962، قبل توقيع اتفاقيات إيفيان مباشرة.. الأحداث تجري في الجزائر العاصمة، أوائل عام 1962.. حريق في المناطق الحضرية قبيل انتهاء حرب ضارية حقيقية بين الأهالي والمستعمرين.. فرنسا الاستعمارية تترك البلاد للانفلات الأمني، لغلاة الجزائر الفرنسية كي يعيثوا فسادا وقتلا.. تركت لأجهزتها الخاصة وللحسابات الخاصة وللعنصرية والحقد.. ان يواجه بعضها بعضا، بهجمات تفجيرية وإطلاق نار في وسط الشارع، وهجمات بطعن، واغتيالات غير مستهدفة وغير مبررة، وأيضا التعذيب الوحشي في أقبية المباني الإدارية.. لم يعد هناك أخلاق حرب، الخراب في كل مكان..

المجاهدون والمناضلون الجزائريون يشعرون بأن النصر قريب، الشعب يترقب لحظة الخلاص من ربقة الاستعمار، غلاة الفرنسيين ينتقمون ويقومون بعمليات لإجبار ديغول على التراجع.. وسط هذه الفوضى يعيش الملازم تيرين، الذي أمضى خمس سنوات في الجزائر يقاتل جيش التحرير الوطني الجزائري.. بطل بارد خال من الروح.. انخرط لفترة وجيزة في انقلاب الجنرالات في أفريل 1961، ثم عاد إلى أحضان المخابرات الفرنسية.

في روايته الأولى، فانسون إيجارك، الصحفي في”ليزيكو”، يضرب بقوة.. الجزائر واحدة من أجمل مدن العالم.. هي البطلة الحقيقية لهذا الكتاب، موصوفة بشكل مثير للإعجاب بجمالها المهيب، في عنفها الذي لا هوادة فيه، في زمنها المعلق، حيث نادرًا ما يذكر البحر، مع ذلك، فقد أبدع الكاتب في وصف الحبس العقلي الذي غرق فيه سكانه، دون أفق آخر غير أفق الإقصاء المتبادل.

يقول عنها الناقد الفرنسي دانيال فورتين: “في الوقت الذي نحتفل فيه بمرور 60 عامًا على اتفاقيات إيفيان، الموقعة في مارس 1962، فإن هذه الرواية الموثقة بشكل رائع، هي قراءة في ذروة الإنسان، بشكل يومي تقريبًا، لصراع لا يزال حتى اليوم قليل العرض، حيث الصور نادرة، وحيث يتم الاحتفاظ بالشهادات. يتمتع فانسون إيجارك بميزة هائلة في السرد، فلا أحد خرج سليما من هذا الغوص في الجزائر العاصمة في الأشهر الأولى من عام 1962، حيث كان جنون الرجال، كما هو الحال في كثير من الأحيان، أفضل مما قد يفعله أي سحر في العالم.

إيزابيل كوستو.. من السعادة إلى الحزن”

وبالنسبة إلى كتاب إيزابيل كوستو، يجد القارئ نفسه ينجرف إلى عالم الكاتبة العائلي والنفسي، في روايتها “من الفجر الجميل إلى المساء الحزين”.. عائلة لا تستطيع التخلص من تاريخها في الجزائر، وما صاحبه من أحداث على المستوى الشخصي والعام.. صور ورسائل وحكايات حقيقية تكشف الصحفية كوستو، تخص حياة ليا وجورج موريييس، وهو مدرس ومزارع فرنسي في الجزائر، من داعمي الحوار بين المجتمعات، ثم سقط ضحية اغتيال سياسي عام 1957.

إنها قصة حقيقية لعائلة فرنسية استقرت في الجزائر منذ بدايات الاستعمار في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. الكتاب مليء بالإشارات إلى الحرب بين الوجودين في الجزائر: الجزائري صاحب الأرض والفرنسي الوافد (الكاتبة تستعمل هنا عبارة “حرب أهلية”)، ولا سيما الهجومات التي نظمتها جبهة التحرير الوطنية في 1 نوفمبر 1954، أو أحداث فيفري 1960، عندما أعرب بعض المدافعين عن الجزائر الفرنسية عن عدم رضاهم عن نقل الجنرال جاك ماسو إلى فرنسا.

مع تصاعد التوترات، صارت العائلة تبحث وتأمل في العثور على ملجأ في وهران، قبيل استقلال الجزائر اشتدت الهجمات فقررت ليا، مثل كثيرين آخرين، مغادرة ما أسمته الكاتبة “بلدها الأصلي”.. في الوقت الذي يطالب فيه رئيس الجمهورية بمواصلة العمل على ما أسمته “الحرب المجهولة”، يساهم هذا العمل الرائع في فهم القضايا وصدماتها التي طال أمدها حتى الآن.

نادية هني مولاي.. فضائل إنقاذ الذاكرة

في آخر كتبها، “حلم واحد وضفتان”، تتحدث الجزائرية المغتربة نادية هني مولاي عن قضايا جزائرية عديدة وعلاقتها بالمجتمع والدولة الفرنسية، ومنها عودة إلى الحرب الجزائرية 1954- 1962: عبر صور ووثائق، مؤكدة ان هناك أقساما كاملة من هذه القصة لم يتم استكشافها.

تقدم صور الكتاب –المنشورة بدقة عالية- مجموعة من الأفكار والإحالات التاريخية، فمن خلال تلك القصص والصور الشخصية، استرجعت المؤلفة حكايات الحرب لجزائريين وشهود أو لفاعلين مباشرين فيها. ولأن الحرب تضرب بشكل أعمى، بغض النظر عن العمر أو الجنس، فإنها تجعل هؤلاء يتكلمون بصيغ شتى.. الأطفال المذعورين، الأم الناشطة في فرنسا بين عامي 1954 و 1962.. وغيرهم.

يلقي الكتاب ضوءًا جديدًا على الحرب الجزائرية، من ناحية شخصية ووجهة نظر ذاتية.. ومن بين الشهادات شهادات أبناء جزائريين “مجندين” في الحرب، في الضفتين.. من خلال هذا الكتاب تكتشف ضرورة فضائل إنقاذ واجب الذاكرة. تمثل هذه الصور -وهي عمل ملتزم- ممارسة نضالية في حد ذاتها للمؤلفة، وهي نفسها ابنة مجاهد سابق في جبهة التحرير الوطني. واقتناعا منها بضرورة قول كل شيء، سعت إلى كشف خيوط التاريخ، المرتبطة ارتباطًا جوهريًا بعائلتها. وطلت الكاتبة لعدة أشهر تجمع شهادات من جزائريين يعيشون في فرنسا.. رجال ونساء رحبوا بالفكرة وانخرطوا بحماس منقطع النظير في الحكي واستعادة الذكريات… مع بعض الخوف والحزن والفرح أيضا..

ناتاليا فينيس.. المرأة المقاتلة

من جانبها، عمدت المؤرخة الإنكليزية ناتاليا فينس إلى السفر مرة اخرى الى فترة الثورة الجزائرية لتلقي زيدا من الضوء على أخبارها ومصائر النساء المشاركات فيها، في كتابها “أخواتنا المقاتلات: الأمة والذاكرة والجنس في الجزائر (1954-2012)” (مطبعة جامعة مانشستر، 2016).

ونشر موقع “رصيف22” دراسة مستفيضة للكتاب، جاء فيه: “من خلال مقابلات شخصية كانت قد أجرتها مع عدد من “مجاهدات الثورة الجزائرية” قبل سنوات، وتشكل المصدر الأساسي لهذا الكتاب، إلى جانب الأرشيفات والمصادر المكتوبة لتاريخ ما قبل الاستقلال وما بعده، تؤسس فينس سردها التاريخي على “المصادر الشفوية” خشية الوقوع في إعادة إنتاج الروايات السائدة لتاريخ الجزائر المستقلة، المليئة بالتحيزات السياسية، والصادرة أساساً عن الدولة وأجهزتها الأيديولوجية. لكنها في الوقت نفسه لا تضع فرضيات مسبقة، خشية الوقوع في القراءات السائدة والمكرسة حول أوضاع المرأة في الجزائر المستقلة، لذلك يكسر كتابها العديد من المسلمات والتصورات الشائعة”.

ويضيف: “على الرغم من المشاركة النسائية الواسعة في الكفاح الجزائري من أجل الاستقلال، إلا أن التأريخ لهذه المشاركة يقتصر دائماً على رصد المساهمة المباشرة العسكرية، إذ تشير فريال لعلامي في دراستها “قضية مكانة المرأة في فترة الاستعمار في الجزائر” إلى أن إدراك الدور الأساسي للمرأة في النضال من أجل التحرر الوطني، يستوجب ضرورةً تبني نظرة أوسع، ونهجاً متجدداً: من خلال إعادة فحص النصوص (منشورات الأحزاب والمنظمات، وسائل الإعلام، الأغاني، الشعر وغيرها من المنتجات الثقافية) وإجراء استطلاعات شفوية لتحرير أصوات النساء والرجال الفاعلات والفاعلين في ذلك الوقت، لإحياء ما دفنه السرد التاريخي الرسمي والذاكرة الجماعية”.

هذه الدعوة إلى إعادة فحص المصادر تنبع أساساً من أن البحث في مشاركة المرأة الجزائرية في مسيرة الاستقلال دائماً ما يتم على أساس النماذج الذكورية، ذلك أن التحليلات التاريخية مكرّسة بشكل أساسي للكفاح المسلح وتتناول التصنيفات المؤسسية وأدوات التعداد التقليدية. فجميلة عمران، في دراستها “المرأة الجزائرية في الحرب” (1991)، تستخدم ملف وزارة المجاهدين مع تراتبية قيمية سائدة ترتكز على تثمين العمل المسلح، باعتباره قيمة رجولية. لذلك تصل إلى نتيجة مفادها أن تمثيل النساء في الثورة وفقاً لهذه القيمة 3.1 بالمئة فقط من إجمالي المجاهدين.

في “قاموس السير الذاتية للمقاتلين القوميين الجزائريين (1926- 1954)” لبنيامين ستورا (1982)، يمكننا ان نجد ستة أسماء نسائية.. و تعتقد فريال لعلامي أن حركة إعادة قراءة المواد التي تم العمل عليها بالفعل وتوسيع الأساليب الكلاسيكية للعمل السياسي من خلال المنظمات والكفاح المسلح من شأنه أن يجعل من الممكن تقديم تفسير أفضل لما كان عليه الدور الفعال للمرأة من أجل استقلال الجزائر.

ويرى موقع “رصيف 22” انه: خلافاً للشائع، لم تعد “المجاهدات” الجزائريات من الجبهة إلى المطبخ بعد نهاية الثورة. تؤكد الشهادات التي جمعتها ناتاليا فينس هذا الأمر كاسرةً النظرة السائدة حوله، ذلك أن عشرات النساء اللواتي شاركن في الثورة من مواقع مختلفة واصلن العمل في المجال العام، مثل زهور ونيسي السياسية والكاتبة، والتي شغلت لاحقاً خططاً وزارية مختلفة وشاركت في تأسيس الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، وأدارت مجلة ”الجزائرية” وشغلت منصب نائب في البرلمان، وكذلك نفيسة حمود، الطبيبة والمقاتلة السابقة في جيش التحرير الوطني، التي شغلت مناصب وزارية إلى جانب رئاستها الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات وعملها في القطاع الصحي.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

“يسطرون” المصرية تصدر عملاً قصصيًا جزائريًا للكاتب زين الدين مرزوقي

أعلنت دار النشر المصرية “يسطرون للنشر” عن إصدار مجموعة قصصية جزائرية في فن الق…