محمد مزيان في مرمى النيران
في خضم التحولات المتسارعة التي تعرفها الجزائر سياسيًا وإعلاميًا، تطفو إلى السطح بين الحين والآخر مواجهات ظاهرها خلاف في الرأي، وباطنها صراع على النفوذ وتحديد وجهة المرحلة المقبلة. آخر هذه المواجهات ما يطال وزير الاتصال محمد مزيان، الذي تحول فجأة إلى “خصم” لدى أطراف سياسية وإعلامية لا تُخفي انزعاجها من صراحته ومواقفه الثابتة.
القضية بدأت من تصريح، لكنها لم تتوقف عنده. المؤرخ محمد الأمين بلغيث، بشخصه وخلفيته، كان فقط مدخلًا لصدام أوسع، سرعان ما استغلته بعض الجهات لتوجيه نيرانها نحو وزارة الاتصال، وتحديدًا نحو شخص الوزير. لم تكن التغطية الإعلامية لتصريحات بلغيث هي جوهر الخلاف، بل ما أثار الحفيظة فعلًا هو رد الوزير الحازم على الاتهامات، ورفضه الانخراط في موجة التهويل والتشويه.
عندما ردّ مزيان من ولاية سطيف على انتقادات نائب من حركة مجتمع السلم، فعل ذلك بلغة رجل دولة يملك المعطيات ويحتكم إلى القانون. لم يناور، لم يهادن، بل واجه الخطاب الشعبوي بنبرة مؤسسة، مؤكّدًا أن الإعلام العمومي نقل بيانًا رسميًا صادرًا عن وزارة العدل، في إطار احترام تام للقوانين المنظمة للعمل الإعلامي. لكن يبدو أن هذا الموقف لم يكن مرغوبًا فيه.
ما يحدث اليوم ضد الوزير مزيان لا يمكن فصله عن مساعٍ مستمرة لإضعاف وزارة الاتصال، أو على الأقل إخضاعها لتوازنات حزبية ومصلحية لا علاقة لها بمصالح الشعب. لقد أزعج مزيان، حين أعاد الاعتبار لمفهوم الإعلام الوطني المسؤول، وحين ربط حرية التعبير بالانضباط القانوني، وحين دعا إلى عدم اختزال الهوية الجزائرية في قراءات مبتورة.
في ندوة علمية بباتنة، لم يتردد الوزير في التأكيد على أن البعد الأمازيغي مكون أصيل من الهوية الجزائرية، دون أن يتناقض مع العروبة أو الإسلام، في خطاب عقلاني جامع. غير أن مثل هذا التوازن لا يعجب التيارات التي لا ترى في الهوية إلا سلاحًا أيديولوجيًا لتأجيج الصراعات.
لذلك، فإن الهجوم على الوزير لا يرتبط فقط بقضية بلغيث، بل بسلسلة مواقف لم ترضَ عنها أطراف تعوّدت على التحكم في المشهد الإعلامي أو توظيفه حسب أجنداتها. ما يقلق هذه الأطراف هو أن مزيان ليس من النوع القابل للتطويع، ولا من الصنف الذي يُدار من خلف الستار.
فهل المطلوب اليوم هو إسكات وزير لأنه قرر أن لا يكون مجرد واجهة؟ هل يراد إزاحته لأنه وضع مصلحة الدولة فوق الحسابات الضيقة؟ وهل أصبح احترام القانون تهمة، والدفاع عن المؤسسات جريمة في عرف البعض؟
الأيام القادمة قد تحمل الإجابة، لكن ما هو أكيد حتى الآن أن الوزير مزيان، بصرامته ووضوحه، فتح جبهة جديدة: جبهة الإعلام في مواجهة التسييس، وجبهة المؤسسات في مواجهة الابتزاز الناعم. وإذا كانت هذه هي “تُهمته”، فليحاكموه أمام شعبٍ بدأ يفرّق بين من يخدم الوطن ومن يخدم الطموحات الصغيرة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…