من الخارجية إلى الاقتصاد.. تبون يضخ نفساً جديداً في الدولة
أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن تعديل حكومي واسع شمل عدداً من القطاعات الحساسة، في خطوة تعكس رغبة واضحة في إعادة ترتيب البيت الداخلي وضمان انسجام أكبر بين مختلف مؤسسات الدولة. هذا التغيير لم يكن مجرد حركة شكلية في الأسماء، بل جاء محمّلاً برسائل سياسية وأمنية واقتصادية تؤشر على توجهات المرحلة المقبلة.
أول ما يلفت الانتباه في التعديل هو الطابع السيادي للتغييرات، حيث وُضع ملف الخارجية بين يدي أحمد عطاف، أحد أبرز الدبلوماسيين الجزائريين المعروفين بخبرتهم الطويلة في إدارة الملفات الإقليمية والدولية، خصوصاً في القارة الإفريقية. اختياره في هذا الظرف يعبّر عن إرادة جزائرية لتعزيز الحضور الدبلوماسي في إفريقيا والتمسك بدور الجزائر كفاعل محوري في قضايا المنطقة، من ليبيا إلى الساحل الإفريقي.
على صعيد الدفاع، تعيين الفريق السعيد شنقريحة وزيراً منتدباً لدى وزير الدفاع الوطني ورئيساً لأركان الجيش الوطني الشعبي، يعكس المكانة التي يحتلها الجيش في المعادلة الوطنية باعتباره الضامن الأول للسيادة والأمن. هذا التثبيت في موقع مزدوج بين القيادة العسكرية والتمثيل الحكومي يمنح المؤسسة العسكرية وزناً أكبر في التنسيق مع الجهاز التنفيذي.
وفي المجال الاقتصادي، منح الرئيس محمد عرقاب حقيبة المحروقات والمناجم، فيما أسندت حقيبة الطاقة المتجددة لمراد عجال، ما يوحي بتوجه استراتيجي نحو الجمع بين الحفاظ على مكانة الجزائر كقوة طاقوية تقليدية، والانفتاح على مسارات الانتقال الطاقوي. كما أن استحداث حقيبة خاصة بالتجارة الداخلية إلى جانب التجارة الخارجية يبرز نية السلطة في الفصل بين ضبط السوق الوطنية ومعالجة الأزمات اليومية للمواطن، وبين الاهتمام بترقية الصادرات وتنويع الاقتصاد.
قطاع المالية بدوره شهد تعيين عبد الكريم بوزرد، في وقت يشهد الاقتصاد الجزائري تحديات مرتبطة بتقلبات أسعار المحروقات وضغوط الجبهة الاجتماعية. هذا التغيير يُقرأ كخطوة لتعزيز الانضباط المالي وتكثيف الإصلاحات البنكية والجبائية، وهي ملفات يعتبرها تبون محورية في إصلاح المنظومة الاقتصادية.
أما في الجبهة الاجتماعية، فقد حمل التغيير أسماء جديدة على رأس وزارات التربية، الصحة، العمل، التضامن الوطني، والسياحة. هذه القطاعات مرتبطة مباشرة بالحياة اليومية للمواطن، ومن الواضح أن رئاسة الجمهورية أرادت ضخ دماء جديدة في هذه الحقائب لمواجهة مطالب الشارع المتزايدة في مجالات التعليم، الصحة، والشغل. تعيين محمد صغير سعداوي في وزارة التربية، ومحمد الصديق آيت مسعودان في وزارة الصحة، يوحي بإرادة لتحريك ملفات الإصلاح التي طال انتظارها في هذين القطاعين الحيويين.
من الناحية السياسية، يظهر التعديل توجهاً نحو إشراك وجوه شابة نسبياً في مناصب وزارية، مثل وسيم قويدري على رأس وزارة الصناعة الصيدلانية، وياسين المهدي وليد في وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري. هذا التوجه ينسجم مع خطاب تبون الداعي إلى فتح المجال أمام الكفاءات الشابة وإدماجها في مراكز القرار.
لا يغيب عن المراقب أن الحكومة الجديدة تحافظ على توازن بين عنصر الاستمرارية والتجديد. فقد احتفظ بعض الوزراء بمناصبهم، مثل وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي ووزير السكن محمد طارق بلعريبي، وهو ما يضمن استقراراً في تسيير ملفات تحتاج إلى متابعة دقيقة. وفي المقابل، أُدخلت أسماء جديدة على وزارات تتطلب دفعاً جديداً في أدائها، ما يعكس محاولة للجمع بين الاستقرار والإصلاح.
البعد السياسي الأبرز في هذا التغيير يكمن في الرسالة الموجهة للداخل والخارج على حد سواء: داخلياً، يريد الرئيس أن يؤكد أنه يسيطر على زمام الأمور ويعمل على تحسين الأداء التنفيذي بما ينسجم مع وعوده الانتخابية. وخارجياً، يبعث بإشارة إلى الشركاء الإقليميين والدوليين بأن الجزائر مقبلة على مرحلة أكثر ديناميكية في سياستها الخارجية والاقتصادية.
من خلال هذه الحكومة الجديدة، يبدو واضحاً أن السلطة تراهن على تقوية الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات الإقليمية، سواء في الساحل الإفريقي أو في محيطها العربي والمتوسطي، وفي الوقت ذاته، على تعزيز قدرات الاقتصاد الوطني على مواجهة التحولات العالمية الكبرى.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…