نبيلة خلاف… حين تتحول اللغة إلى جبهة مقاومة
تجعل نبيلة خلاف من الكلمة موقفًا، ومن البحث الأكاديمي جبهةً فكرية تقاوم التزييف وتدافع عن الوعي. من عين أزال بولاية سطيف، تبرز الكاتبة والباحثة الجزائرية كصوتٍ نسائي جريء يمزج بين التحليل اللغوي والرؤية السياسية، ويعيد للغة دورها الحقيقي كسلاحٍ في معركة الوعي. خريجة قسم اللغة والأدب العربي، تخصص اللسانيات التطبيقية – طور الماستر بجامعة محمد لمين دباغين سطيف، اختارت أن تسخر أدواتها الأكاديمية لخدمة القضايا الكبرى للأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فحوّلت اللغة إلى سلاحٍ مقاومٍ يخدم الحقّ ويواجه التضليل.
أصدرت نبيلة خلاف عملين فكريين بارزين يعبّران عن مسارها البحثي والفكري. الأول بعنوان “طوفان الوعي: معركة العقول وصراع الأدمغة”، وهو عمل يوثق البيانات الرسمية الصادرة عن كتائب القسام منذ السابع من أكتوبر 2023، محللاً كيف خاضت المقاومة الفلسطينية معركة الوعي جنبًا إلى جنب مع المعركة الميدانية. أما عملها الثاني، “تداولية الخطاب السياسي في بيانات طوفان الأقصى لأبي عبيدة”، فيُعدّ امتدادًا طبيعيًا للأول، إذ ينتقل من توصيف معركة الوعي إلى تحليلٍ تداولي معمّق لخطاب المقاومة كما يتجلى في بيانات القائد العسكري أبي عبيدة، الناطق الرسمي باسم كتائب القسام.
قدّم هذا العمل الثاني وراجعه الأستاذ الرحموني بومنقاش، أستاذ التداوليات وتحليل الخطاب بجامعة سطيف 2، الذي أشاد بالجهد العلمي والمنهجي للباحثة. فالمؤلَّف لا يكتفي بتجميع الخطابات أو تصنيفها، بل يسعى إلى فهم آليات الخطاب المقاوم وتحليل بنيته اللغوية والدلالية والحجاجية، ليكشف كيف تتحول الكلمة إلى رصاصة وعي تواجه التشويه الإعلامي وتعيد صياغة الرأي العام العربي والدولي حول القضية الفلسطينية.
ترى نبيلة خلاف أن مشروعها الفكري لا يقوم على التوثيق وحده، بل على التحليل بوصفه موقفًا. فهي تعتبر أن “طوفان الوعي” ليس عنوانًا لكتاب، بل رؤية فكرية متكاملة تعبّر عن الصراع الحقيقي بين الاحتلال والمقاومة في مستوى الخطاب والعقول، حيث تُدار الحرب اليوم بقدر ما تُدار بالمدافع والصواريخ، تُدار أيضًا بالكلمة والإعلام والرمز.
في كتابها الأخير، تغوص الكاتبة في التحليل التداولي لخطاب أبي عبيدة، متتبعةً الوظائف اللغوية التي تمنح الخطاب قوته التعبوية. تدرس أفعال الكلام (كالوعد، والتهديد، والتحذير) واستراتيجيات الإقناع وبناء المصداقية، مبيّنةً كيف يجمع الخطاب المقاوم بين البعد الديني والتاريخي والإنساني في آنٍ واحد. وتبرز من خلال دراستها أن قوة المقاومة لا تُقاس فقط بعدد الصواريخ، بل أيضًا بقدرتها على تشكيل الوعي الجمعي وصناعة خطابٍ بديلٍ يعيد التوازن إلى الإدراك العربي والعالمي.
وتؤكد نبيلة خلاف أن اللغة ليست حيادًا، بل ساحة مقاومة فكرية، وأن السيطرة على الخطاب هي الشكل الأحدث للهيمنة. لذلك جاءت أعمالها لتعيد الاعتبار للبحث اللغوي بوصفه أداة كشف ومواجهة، قادرة على تفكيك خطاب الإعلام الموجَّه وتبيان استراتيجيات التضليل التي تستهدف الوعي العربي. وبهذا المعنى، لا تنتمي الكاتبة إلى الخط الأكاديمي البارد بقدر ما تمثل جيلًا جديدًا من الباحثين الجزائريين الذين يجمعون بين الحس العلمي والالتزام الأخلاقي والفكري.
تتواجد مؤلفات نبيلة خلاف هذا العام ضمن فعاليات الصالون الدولي للكتاب بالجزائر (سيلا) عبر دار رسائل للنشر والتوزيع، في الجناح C44 بالممر الرئيسي في الطابق الأرضي، حيث يلتقي الفكر بالواقع، وتتحول القراءة إلى فعلٍ مقاومٍ يواجه التزييف بالكلمة. هناك، يجد القارئ في مؤلفاتها نموذجًا للمثقف الباحث الذي لا يكتفي بالتحليل من برجٍ أكاديمي، بل ينزل إلى ساحة الوعي ليقاتل بقلمه من أجل قضيةٍ يعتبرها قضية الأمة كلها.
نبيلة خلاف ليست باحثة لغوية فحسب، بل صوتٌ فكري جزائريٌّ صاعد يضع المعرفة في خدمة المقاومة، ويُذكّر بأن الوعي هو السلاح الأول في مواجهة الاحتلال. أعمالها توزّع الأمل كما توزّع الأفكار، وتؤكد أن الكلمة حين تُكتب بإخلاص، تصبح جدارًا يحمي الذاكرة، وجسرًا يعبر به الوعي من الفكر إلى الفعل.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
العقرب الملائكي.. رواية تكشف الوجه الخفي لمعاناة المرأة بين القيد والنهضة
تطرح الكاتبة غنّام جمعة في روايتها الجديدة “العقرب الملائكي” عملاً سردياً لافت…







