نواب البرلمان الجزائري يحيون في بلجيكا ذكرى عمال المناجم
احتضنت مدينة مونس البلجيكية، يوم السبت 21 جوان 2025، واحدة من أبرز الفعاليات المخصصة لإحياء الذاكرة الجماعية للهجرة الجزائرية نحو أوروبا، وذلك في إطار تظاهرة ثقافية ووطنية نظّمتها أبناء عمال مناجم الفحم ببلجيكا (البوريناج) في بلجيكا تحت عنوان “ذاكرة هجرة.. إرث نضال”.
جاءت المناسبة لإحياء الذكرى الـ116 لوصول أولى دفعات العمال الجزائريين إلى مناجم الفحم في شمال فرنسا وبلجيكا منذ عام 1909، حيث ساهموا – رغم ظروف العمل القاسية – في بناء الاقتصاد الأوروبي، وبالموازاة، في تشكيل النواة الأولى للوعي الوطني الذي مهّد لبروز الحركة التحررية الجزائرية في أوروبا.
وقد لعب النائب عن الجالية الجزائرية بالخارج (المنطقة الرابعة)، السيد إبراهيم دخينات، دورًا محوريًا في دعم وإنجاح هذه التظاهرة التاريخية، من خلال مواكبته الدقيقة للتحضيرات، ومساندته السياسية والمعنوية للجهات المنظمة، إضافة إلى تنسيقه مع الفاعلين المحليين في بلجيكا لضمان حضور مشرّف يليق بذاكرة عمّال المناجم الجزائريين.
حرص النائب دخينات على أن تكون المناسبة منبرًا للاعتراف الرسمي بتاريخ الجالية، والتأكيد على أن الجزائر لا تنسى أبناءها في الخارج، بل تفتخر بدورهم في الثورة وفي بناء العلاقات التاريخية مع أوروبا. وقد لقيت مساهمته إشادة واسعة من المشاركين والمنظمين، الذين اعتبروا حضوره ودعمه من العوامل الأساسية التي أعطت للمبادرة بعدها الوطني والمؤسساتي.
إلى جانب النائب إبراهيم دخينات، عرفت التظاهرة حضورًا بارزًا لنواب المجلس الشعبي الوطني، تقدمهم السادة، بوثلجة علال، قسيري مسعود، وساسي صغير، الذين مثّلوا الدولة الجزائرية من موقعها الشعبي والمؤسساتي، وأضفوا على الحدث بُعدًا رسميًا وإنسانيًا يعكس عمق الوفاء لذاكرة الجالية.
ورغم تأكيد سفارة الجزائر ببروكسل، في وقت سابق، على حضور ممثلها الرسمي، السيد بنيدير توفيق، مستشار الشؤون الخارجية، إلا أنه تخلّف عن الموعد دون تقديم أي اعتذار أو توضيح رسمي، وهو ما اعتبره عدد من المشاركين “سلوكًا غير لائق في حق ذاكرة المهاجرين”، خاصة في مناسبة بهذا الحجم، تحظى باعتراف رسمي من السلطات البلجيكية وتقدير واسع من الجالية الجزائرية.
وقد أثار هذا الغياب تساؤلات محرجة في أوساط الحاضرين، حيث عبّر البعض عن استغرابهم من غياب التمثيل الدبلوماسي الجزائري عن حدث يجمع وزراء وبرلمانيين ومؤرخين ومواطنين، في وقت يحرص فيه ملك بلجيكا نفسه على إرسال رسالة اعتذار رسمية للمخرج الجزائري، تعبيرًا عن احترامه وتقديره للفعالية.
في خطوة لافتة أثارت التقدير، وجّه الملك فيليب، عاهل بلجيكا، رسالة رسمية إلى المخرج الجزائري حمزة مهدي، عبّر فيها عن أسفه لعدم تمكنه من حضور العرض الأول لفيلم “الوجوه السوداء للاستقلال الجزائري”، بسبب التزامات ملكية مسبقة.
وأشاد الملك، في رسالته، بدور الجالية الجزائرية، وخاصة عمّال المناجم، في بناء بلجيكا الحديثة، ودعمهم لنضال الجزائر من أجل استقلالها، مثمّنًا العمل الفني الذي أنجزه المخرج بالتعاون مع وزارة الثقافة الجزائرية، وواصفًا إياه بأنه “خطوة مهمة في توثيق الذاكرة المشتركة بين الشعبين”.
وفي مقابل هذا التقدير الرفيع من أعلى هرم الدولة البلجيكية، عبّر المشاركون عن أسفهم لضعف التمثيل الرسمي الجزائري، معتبرين أن اعتذار ملك بلجيكا كشف حجم التباين بين دبلوماسية التقدير الخارجي، وبين أداء بعض البعثات الدبلوماسية التي يفترض أن تكون صلة وصل حيوية بين الوطن وأبنائه في المهجر.
من أبرز محطات التظاهرة، العرض الأول للفيلم الوثائقي “الوجوه السوداء للاستقلال”، الذي قدّمه المخرج حمزة مهدي، مقدّمًا شهادة بصرية نادرة عن تجربة عمّال المناجم الجزائريين منذ بدايات القرن العشرين، موثّقًا كيف تحولت المناجم إلى بؤر وعي وطني ودعم ثوري بعيدًا عن الأضواء الرسمية.
تضمّن الفيلم شهادات مؤثرة، أبرزها شهادة العقيد عمر بوداود، التي سلّطت الضوء على مساهمات عمّال المناجم في دعم الثورة الجزائرية، وتنظيم شبكات سرية لجمع التبرعات وتوزيع المنشورات. كما استعرض الفيلم مراحل تأسيس نجم شمال إفريقيا سنة 1925، ومشاركة مصالي الحاج في مؤتمر بروكسل 1927، إضافة إلى المظاهرات الدامية لسنة 1953. وأدار النقاش المؤرخ الفرنسي جان ريني جانتي، الذي اعتبر الفيلم “مساهمة نوعية في تصحيح الذاكرة الأوروبية والجزائرية معًا”، مشيرًا إلى أن “العمال لم يكونوا ضحايا فقط، بل كانوا فاعلين في صمت”.
وفي لحظة رمزية ذات طابع دبلوماسي وثقافي، سلّم نواب البرلمان الجزائري درعًا تكريميًا باسم رئيس المجلس الشعبي الوطني، السيد إبراهيم بوغالي، إلى وزير الثقافة البلجيكي ريشار ميلار، تقديرًا لمساندته للفعالية وتعاونه مع الجالية. وأعرب الوزير البلجيكي عن امتنانه لهذا التكريم، مؤكدًا أن “الذاكرة جسر للتفاهم بين الشعوب”، وداعيًا إلى مواصلة مثل هذه المبادرات التي تفتح قنوات الحوار الإنساني والتاريخي.
كما ألقى أبناء وأحفاد عمّال المناجم كلمات مؤثرة، استعرضوا فيها يوميات الشقاء، وعزّة النفس، والحنين إلى الوطن. وتم عرض صور أرشيفية وأدوات عمل أصلية في معرض مفتوح للجمهور، إضافة إلى تقديم عرض مسرحي رمزي يجسّد حياة العامل المنجمي اليومية. وقد أجمع الحضور على أن هذه التظاهرة تجاوزت الطابع الاحتفالي، لتتحوّل إلى لحظة وطنية صادقة تحمل في طياتها العديد من الرسائل الموجّهة إلى الحاضر والمستقبل.
ما جرى في مونس لم يكن مجرد حدث ثقافي، بل محطة لاستعادة ذاكرة منسية، وربط أبناء الجالية بتاريخهم الوطني. وقد جسّد حضور النواب، وقيادة النائب إبراهيم دخينات لهذه المبادرة، اعترافًا سياسيًا ومعنويًا عميقًا بتلك الذاكرة، بينما حمل اعتذار ملك بلجيكا بُعدًا إنسانيًا راقيًا. في المقابل، يبقى غياب ممثلي البعثة الدبلوماسية الجزائرية علامة استفهام كبرى، ويطرح مجددًا مسألة أداء البعثات تجاه جالياتها، لا سيما حين يتعلق الأمر بقضايا الهوية والتاريخ والانتماء. فحين يصبح الغياب موضع مقارنة مع اعتذار ملك، يُدرك الجميع أن الحضور الرمزي وحده لا يكفي… وأن الذاكرة مسؤولية وطنية لا تحتمل التهاون أو التأجيل.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…