‫الرئيسية‬ الأولى هكذا يستخدم المغرب الدين والفساد لتطويع القرار الأوروبي؟!
الأولى - الدولي - 24 يوليو، 2025

هكذا يستخدم المغرب الدين والفساد لتطويع القرار الأوروبي؟!

هكذا يستخدم المغرب الدين والفساد لتطويع القرار الأوروبي؟!
يستخدم المغرب، بتخطيط طويل الأمد ودهاء سياسي لا يخلو من طابع عدواني مقنع، سياسة هجومية ناعمة تجاه أوروبا، جعلت من الهجرة، والدين، والجاليات، والفساد، أدوات ضغط فعالة تستعمل وقت الحاجة، وتُجمَّد وقت التفاوض، وتُفعَّل فجأة عندما يكون الهدف إرباك الداخل الأوروبي أو انتزاع تنازل سياسي جديد.

لا يتعلق الأمر فقط بلعبة مصالح كما تحاول الرباط أن تُقنع العالم، بل هو مشروع متكامل من التوسع والابتزاز والاختراق الناعم، يتم على أعين الجميع، وسط صمت مريب، وشلل إرادي من الطبقة السياسية الأوروبية، التي إما تواطأت صراحة أو فشلت في فهم خطورة ما يحدث تحت أنفها. إننا لا نتحدث عن حوادث فردية أو توترات عابرة بين بلدان الجوار، بل عن استراتيجية دولة غير ديمقراطية، تدار بعقلية ملكية مغلقة، وتستعمل أوروبا كفضاء مفتوح للضغط، والابتزاز، والتغلغل.

في مدن مثل تورّي باتشيكو، ألميرية، أرندا دي دويرو، برشلونة وغيرها، تتكرر منذ سنوات مشاهد الفوضى، أعمال الشغب، الاعتداءات، وتجاوزات الشبان المغاربة، وكأنها رسائل متعمدة، مشفّرة وموقوتة، في كل مرة يدخل فيها المغرب في توتر دبلوماسي مع إسبانيا أو أي طرف أوروبي. لا يعود الأمر إلى الهجرة فقط، بل إلى تخطيط دقيق لتحويل أفراد الجالية المغربية، لا سيما الشباب المهمشين، إلى أدوات توتير ممنهجة. يتم استغلال سخطهم، وغربتهم، وهشاشة أوضاعهم، لتحريضهم وتحويلهم إلى ذراع ضغط بيد النظام المغربي. عبر المساجد التي تخضع مباشرة لوصاية وزارة الأوقاف المغربية، وعبر الجمعيات الثقافية التي تُدار من خلال ممثليات دبلوماسية مقنّعة، يتم توجيه خطب الجمعة والأنشطة الاجتماعية والدروس الدينية لخدمة مصالح الرباط، وليس لخدمة اندماج هؤلاء في المجتمعات التي تستضيفهم.

يتحدث طالب السلام، الناشط الصحراوي المنفي، بوضوح عن هذه الآلة الضخمة التي أسسها النظام المغربي على مدى عقود داخل أوروبا. يكشف كيف أن الرباط تملك القدرة الكاملة على التحكم في الإيقاع الاجتماعي والسياسي لبعض الأحياء الأوروبية عبر شبكة من الخطب والتمويلات، ويؤكد أن المغرب لا يتردد في استعمال سلاح “التطرّف المُوجَّه” حين يشعر بأن المصالح تتعارض مع رغباته. إننا أمام نموذج خطير من السيطرة الخارجية على القرار الداخلي في أوروبا، لا عبر الدبابات أو المعارك، بل عبر المساجد والخطاب الديني، وعبر الولاءات القبلية، والشبكات العائلية، وروابط البيعة الممتدة من أحياء مدريد إلى قصر الملك في الرباط.

ولا يمكن تجاهل جانب أكثر خطورة في هذا التغلغل، وهو ما يرتبط بالفساد الممنهج. المغرب لم يعد يكتفي بالتأثير في الأحياء الفقيرة، بل تمكن من اختراق بعض دوائر القرار الأوروبي. فضيحة “موروكوغيت” ليست استثناءً، بل مثالاً واضحًا. ستون نائبًا أوروبيًا، متورطون في شبكة فساد مغربية تهدف إلى شراء الذمم داخل المؤسسات التشريعية للاتحاد الأوروبي. لم يتحرك الإعلام الأوروبي بشكل يتناسب مع خطورة الفضيحة، ولم تُفتح تحقيقات معمقة، ولم يُطرح سؤال جوهري، كيف تمكن نظام أوتوقراطي مغلق مثل النظام المغربي من بناء شبكة ضغط بهذا الحجم داخل برلمان يفترض فيه تمثيل الشعوب الأوروبية؟ السبب واضح: لأن المغرب بنى هذه الشبكة بهدوء، واستعمل فيها المال، والهدايا، والرحلات، والمنافع، تمامًا كما تفعل المافيات، وليس الدول المحترمة.

لا يتوقف الأمر عند الفساد السياسي، بل يتعداه إلى ابتزاز الدول الأوروبية بشكل مباشر. حين قررت إسبانيا استقبال زعيم جبهة البوليساريو للعلاج عام 2021، أطلق المغرب العنان لآلاف المهاجرين غير النظاميين، أغلبهم قُصَّر، ليقتحموا حدود سبتة، في مشهد مروّع، حيث كان الأطفال يُرمون في البحر ويدفعون دفعًا إلى اقتحام السياج الحدودي. لم يكن ذلك “فشلًا أمنيًا” كما حاول الإعلام تبريره، بل رد فعل سياسي مغربي مدروس، يؤكد أن الرباط لا تتردد في استخدام البشر كذخيرة تفاوض، ولو كانوا أطفالًا. ورغم أن الحادثة كشفت نوايا النظام المغربي على حقيقتها، فإن الرد الإسباني والأوروبي لم يتجاوز مستوى البيانات الإنشائية، وعاد التطبيع بشكل أسرع مما كان يُتوقع، بل وصل إلى حد تقديم تنازلات مهينة كما فعل بيدرو سانشيز حين تراجع عن الموقف التاريخي لإسبانيا تجاه الصحراء الغربية.

هذا التراجع، الذي كان بمثابة خيانة صريحة لقرارات الأمم المتحدة وخرقًا للمسؤولية التاريخية لإسبانيا، لا يُفهم إلا في إطار خضوع كامل لضغط مغربي لم تتضح بعد أدواته الكاملة. هل استُعمل برنامج بيغاسوس للتجسس على الوزراء؟ هل هناك تهديدات بفضح علاقات مالية أو شبكات مصالح؟ كل هذه الاحتمالات مطروحة، خاصة في ظل الصمت التام عن الظروف الحقيقية التي دفعت حكومة ديمقراطية إلى الاعتراف بسيادة دولة غير ديمقراطية على إقليم لم يُحسم أمره بعد قانونيًا ولا شعبيًا.

أما الإعلام الإسباني، وحتى الأوروبي، فلا يزال مقيدًا أو متواطئًا. التغطية الانتقائية، والتجاهل المتكرر لكل ما يكشف عن الوجه الحقيقي للسياسة المغربية، يطرحان أسئلة محرجة. لماذا لم تُخصص تغطيات كبرى لموروكوغيت؟ لماذا لم تُعرض شهادات الصحراويين المعذبين والمقموعين؟ لماذا يتم دوماً تصوير المغرب كـ”شريك استراتيجي” رغم أن سياساته تحمل كل صفات الابتزاز؟ الإعلام الأوروبي، الذي لم يتردد يومًا في انتقاد السعودية أو تركيا أو روسيا، يتعامل مع المغرب بلطف غريب، لا يفسَّر إلا بوجود قنوات تأثير غير مرئية تحكم سردية الإعلام من الداخل.

فرنسا، من جهتها، تمثل ضلعًا أساسيًا في هذه المعادلة. علاقتها مع المغرب تتجاوز التاريخ والثقافة، إلى تبادل المنافع والمصالح المشتركة. كلما اشتد الصراع بين مدريد والرباط، صمتت باريس، أو وقفت صراحة في صف النظام المغربي. نفوذ فرنسا داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي ساعد الرباط على تمرير اتفاقيات تجارية تشمل أراضي الصحراء رغم أنها تحت نزاع قانوني، وتم ذلك في خرق فجّ للقانون الأوروبي ذاته. ما الذي يدفع فرنسا إلى حماية نظام ملكي مطلق بهذا الشكل؟ هل هو إرث استعماري؟ هل هي مصالح اقتصادية؟ أم مجرد تواطؤ استراتيجي على حساب شعوب شمال إفريقيا وأوروبا في آنٍ معًا؟

وبينما تغطّ أوروبا في غفلة متعمدة، تواصل الرباط مشروعها التوسعي ببطء ولكن بإصرار. لم يعد الأمر سرًا. مسؤولون مغاربة، بمن فيهم وزراء سابقون، أعلنوا أن الهدف التالي بعد الصحراء هو “استرجاع” سبتة ومليلية وجزر الكناري. الرباط أعادت تفعيل لجان رسمية لهذا الغرض، ووسائل الإعلام المغربية تتحدث عن الموضوع بلا خجل. في الوقت ذاته، تستمر الحكومة الإسبانية في تسليح المغرب، وتزويده بمركبات وأسلحة، في مشهد عبثي يكاد لا يُصدَّق، دولة تموّل نظامًا يهدد حدودها.

وفي قلب هذه المأساة السياسية والجيوستراتيجية، يبقى الصحراويون ضحايا منسيين. لا صوت لهم، لا دعم حقيقي، لا حماية. يُقمعون في وطنهم، ويُضطهدون في المنفى، ويُرهبون في أحياء أوروبا، حيث تحوّل بعض المغاربة المتطرفين إلى أدوات ترهيب حتى في أرض المنفى. ويتساءل طالب السلام، ومعه كثير من الصحراويين: إلى متى ستظل أوروبا متواطئة مع جلادنا؟ وإلى متى سيُسمح للنظام المغربي بأن يدّعي الحداثة في المؤتمرات، بينما يبني إمبراطورية صامتة على جماجم شعب أعزل؟

إن ما يحدث ليس مجرد “خلاف إقليمي” أو “صراع حدود”، بل مشروع توسعي عدواني، تُمارسه دولة لا تحترم الحداثة إلا في خطابها، بينما تستعمل أساليب القرن التاسع عشر في سياستها الخارجية. وإذا لم تستيقظ أوروبا قريبًا، فإن الثمن لن يُدفع فقط في الصحراء، بل في باريس ومدريد وبروكسل، حيث ستتغلغل شبكات التأثير والفساد أكثر، وحيث سيصبح القرار الأوروبي رهينة أكثر من أي وقت مضى.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…