‫الرئيسية‬ الأولى هلعٌ أمريكي من “القنبلة القذرة” الإيرانية… والإعلام الغربي يقرّ باحتمال الكارثة
الأولى - الدولي - مقالات - 18 يونيو، 2025

هلعٌ أمريكي من “القنبلة القذرة” الإيرانية… والإعلام الغربي يقرّ باحتمال الكارثة

هلعٌ أمريكي من "القنبلة القذرة" الإيرانية… والإعلام الغربي يقرّ باحتمال الكارثة
كأنّها نارٌ تُسكب عليها الزيت، هذا ما تُجسده السياسة الغربية بقيادة الولايات المتحدة في تعاملها مع التصعيد الدراماتيكي بين إيران والكيان الصهيوني. التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تكشف عن تحوّل خطير في الموقف الأمريكي من رجل يزعم أنه صانع سلام إلى “صقر” حرب يهدّد بتدمير منشآت نووية إيرانية، مطالبًا إيران بالاستسلام دون قتال. ولكن، متى استسلمت دولة في التاريخ دون أن تُهزم ميدانيًا؟

الواقع على الأرض يُكذّب كل الرهانات الغربية. فإيران لا تُبدي أي مؤشرات ضعف، بل تُظهر ثقة متزايدة في قدرتها على الردّ، ليس فقط على إسرائيل، بل على أي تدخل عسكري أمريكي محتمل. اللافت أن الجمهورية الإسلامية لم تُظهر أدنى تردد في مواجهة التهديد النووي الإسرائيلي، بل باتت تُلمّح إلى امتلاكها خيارات استراتيجية ردعية قد تشمل “قنبلة قذرة”، حسب ما ذكرته عدة صحف أمريكية. التلويح بهذه القنبلة لا يعني إعلانًا مباشراً عن امتلاك سلاح نووي، لكنه اعتراف ضمني بأن إيران باتت تمتلك كميات من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%، وهي عتبة تسبق مباشرة تصنيع القنبلة الذرية. هذا التخصيب، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يجعل طهران على بعد خطوات تقنية من العتبة النووية، دون أن تُعلن ذلك رسميًا.

المفارقة أن ترامب يهدد بتدمير منشآت نووية إيرانية – مثل موقع فوردو – رغم معرفته بأن ذلك سيخلق كارثة إشعاعية شاملة، تُهدّد منطقة الخليج برمتها، بما فيها حلفاء واشنطن، قطر، البحرين، الإمارات، وربما تركيا. أي ضربة تُصيب مركزًا نشطًا للتخصيب قد تفتح الباب أمام انتشار إشعاعي واسع النطاق، وهو ما حذرت منه Washington Post في تقرير حديث عن “السيناريو الأسوأ في الشرق الأوسط”. في حال تدخل عسكري مباشر، تُهدد إيران بضرب القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في الخليج، خاصة تلك الواقعة في الدوحة والمنامة وأبو ظبي. يُضاف إلى ذلك احتمال قطع الملاحة في مضيق هرمز، وضرب المنشآت الحيوية التي يعتمد عليها الغرب في إمدادات الطاقة، وهي تهديدات لا تنبع من فراغ، بل تستند إلى عقيدة عسكرية متماسكة مدعومة من روسيا، الصين، كوريا الشمالية، وباكستان، رغم المواقف الرمادية لبعض هذه الدول.

المجتمع الأمريكي، من جانبه، لا يبدو مؤيدًا للتصعيد. استطلاع للرأي أجرته قناة CBS أظهر أن الغالبية ترفض دخول واشنطن في حرب جديدة ضد طهران، خصوصًا في ظل دعم صيني–روسي ضمني لطهران، واستياء شعبي من تورّط واشنطن في أوكرانيا دون نتائج ملموسة. في المقابل، تستند إيران في خطاباتها إلى منطق ديني–عقائدي، مشابه – من حيث الشكل – لما تُقدّمه المؤسسة الدينية الصهيونية في تبرير عملياتها في غزة أو ضد إيران. وقد أظهر المرشد الأعلى، علي خامنئي، استعدادًا لقبول الاستشهاد السياسي دون الخضوع للإملاءات الغربية، وهو ما أكده مقربون منه بالإشارة إلى أنّه نظّم “خطة انتقال للسلطة” تُسند إدارة البلاد مؤقتًا إلى مجلس قيادة الحرس الثوري، في حال اغتياله أو وفاته المفاجئة، لتفادي اختراق المؤسسة من خلال تعيين شخصية عميلة أو ضعيفة الإرادة.

في الخطاب الإيراني، يُنظر إلى طلب “الاستسلام” على أنه قمة الغطرسة الغربية. فحتى اليابان لم تستسلم إلا بعد تدمير هيروشيما وناغازاكي بقنبلتين نوويتين، أما في حالة إيران، فليس هناك أي دليل على هزيمة عسكرية وشيكة. بل على العكس، إيران لا تزال في موقع المبادرة، وتتمسك بخياراتها الدفاعية والهجومية بكل ما أوتيت من قدرات، وتُصر على معادلة، “إذا متنا، سيموت الجميع”.

الحديث عن “القنبلة القذرة” ليس فقط حربًا نفسية، بل سيناريو محتمل تُحذر منه يوميًا تقارير استخباراتية أمريكية وإسرائيلية، لما له من آثار مدمرة على البيئة والهواء والمياه في الشرق الأوسط. مثل هذا السلاح لن يُبقي أحدًا بمنأى عن الموت أو التشويه الإشعاعي. في هذا السياق، تبدو المنطقة على حافة الهاوية. فكل منطق الردع المتبادل، والتصعيد العقائدي، يجعل احتمالات الحرب الشاملة أقرب من أي وقت مضى. والمطلوب الآن ليس تهديدات جوفاء من ساسة واشنطن، بل التوجه العاجل نحو التهدئة والحوار، قبل أن تتحول “القنبلة القذرة” إلى واقع لا يُمكن التراجع عنه.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…