وزير الاتصال والكيل بمكيالين
تثير الأحداث الأخيرة في الساحة الإعلامية الجزائرية تساؤلات جدية حول ممارسات وزارة الاتصال، خاصة في ضوء المادة 80 من القانون رقم 23-19 المتعلق بالصحافة المكتوبة والإلكترونية، التي تنص على أن ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية ترجع من مهام الوزير المكلف بالاتصال حتى تنصب السلطة المنطمة للقطاع. يدفع هذا الواقع إلى التساؤل: هل توجد معايير واضحة وعادلة في التعامل مع وسائل الإعلام الوطنية؟ أم أن الوزارة تتبنى سياسة الكيل بمكيالين التي ترفضها الجزائر في سياستها الخارجية لكنها تبدو جلية في المشهد الإعلامي المحلي، خاصة فيما يتعلق بتوزيع الدعم بالإشهار وتطبيق العقوبات على الأخطاء المهنية؟
قرار وزارة الاتصال بتعليق طباعة صحيفة “الجزائر الغد” يقدم مثالًا صريحًا على هذه الممارسات. هذا القرار استند إلى محتوى وصفته الوزارة بأنه “مضلل” و”غير موثق”. تم استدعاء مسؤولي الصحيفة واتخاذ إجراءات عقابية بحقهم، تطبيقًا للقوانين التي تنظم العمل الصحفي. ورغم أن تطبيق القانون لضمان المهنية هو أمر ضروري، إلا أن غياب إجراءات مماثلة تجاه صحف أخرى ارتكبت أخطاء مشابهة، وبعضها أساء إلى سمعة الجزائر دوليًا، يثير الشكوك حول آلية تقييم الأخطاء ومعايير اتخاذ العقوبات.
حادثة تكذيب وزارة الشؤون الخارجية للتصريحات المنسوبة خطأ لرئيس الجمهورية تقدم نموذجًا آخر للكيل بمكيالين. نشرت إحدى الصحف الخاصة معلومات خاطئة عبر خلطها بين التعليق الصحفي ومحتوى خطاب رسمي، مما أدى إلى تضليل الجمهور. ورغم مسارعة الوزارة لتوضيح الموقف، إلا أن الصحيفة المعنية لم تواجه أي عقوبة، مما يعزز الشعور بغياب التوازن في التعامل مع وسائل الإعلام المختلفة.
من المهم التأكيد على أن الدعوة ليست لتشديد العقوبات أو تقييد حرية الصحافة، بل لتطبيق القانون بمساواة وشفافية تضمن بيئة إعلامية نزيهة. غياب التوازن في التعامل مع الأخطاء الصحفية يخلق بيئة إعلامية مضطربة، تشجع على الرقابة الذاتية وتضعف حرية التعبير، وهو ما ينعكس سلبًا على الأداء الإعلامي.
تعزيز استقلالية الإعلام ومصداقيته يتطلب تبني معايير مهنية واضحة وشفافة تُطبق بعدل على جميع المؤسسات الإعلامية. هذه الخطوة ليست ضرورية فقط لاستعادة ثقة الجمهور بالإعلام الوطني، لكنها تسهم أيضًا في تقوية الدور الإعلامي كدرع يحمي الجزائر داخليًا وخارجيًا.
الأخطاء الصحفية، رغم أنها جزء طبيعي من العمل الإعلامي، يمكن أن تتحول إلى فرص لتحسين الأداء إذا عولجت بإنصاف. لكن التمييز في التصرف مع الأخطاء يهدد بيئة الإعلام ويضعف مصداقيتها، وهو ما يتطلب وقفة جادة لإعادة تقييم السياسات المعتمدة لضمان بيئة إعلامية عادلة تعكس قيم الديمقراطية وتدافع عن حرية التعبير.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …